إشارة إيجابية من صندوق النقد.. هل تقترب سوريا من إنهاء عزلتها الاقتصادية؟
أعلن صندوق النقد الدولي اليوم الاثنين عزمه تنفيذ برنامج تعاون مكثف مع سوريا يتضمن تقديم مساعدة فنية. ويمثل هذا الإعلان تحولاً إيجابياً يتيح دمج سوريا التدريجي في المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك إمكانية الحصول على تمويلات تحتاجها دمشق لتحقيق التعافي الاقتصادي. ويأتي هذا في ظل تطورات إقليمية ودولية ساهمت في تخفيف حدة العقوبات وفتحت آفاقاً لعودة التعاون.
وقال رون فان رودن، رئيس بعثة الصندوق إلى سوريا، في بيان “يُظهر الاقتصاد السوري بوادر على التعافي وتحسناً في الآفاق، مما يعكس تحسن ثقة المستهلكين والمستثمرين في ظل النظام السوري الجديد، واندماج دمشق التدريجي في الاقتصاد الإقليمي والعالمي مع رفع العقوبات وعودة أكثر من مليون لاجئ”.
ومن المتوقع أن يكون لهذا الإعلان تأثير متعدد الأوجه على جهود سوريا لتخفيف أزماتها المالية، خاصةً في ضوء بوادر تحسن الثقة التي أشار إليها الصندوق، إلى جانب رفع بعض العقوبات.
ويُعد تعزيز التعاون مع صندوق النقد الدولي وإمكانية استئناف المشاورات بمثابة “شهادة ثقة” دولية يمكن أن تشجع المستثمرين الإقليميين والدوليين، الذين يتطلعون إلى إعادة الإعمار، على العودة للسوق السورية. وهذا بدوره يزيد من جاذبية الاستثمارات المباشرة التي تعتبر شريان الحياة لعملية الإعمار.
كما أن إشادة الصندوق بما وصفه بـ”الموقف المالي والنقدي الصارم” للسلطات السورية تُشير إلى وجود أساس يمكن البناء عليه لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي الكلي، وهو شرط أساسي للنمو المستدام، فيما ستعزز المساعدة الفنية هذه الجهود لضمان استقرار سعر الصرف.
تحديات التعافي
وعلى الرغم من التفاؤل، لا يزال الطريق أمام الانتعاش الاقتصادي في سوريا محفوفاً بالتحديات. ويركز برنامج صندوق النقد الدولي الحالي على المساعدة الفنية، وليس مرتبطاً بتقديم قروض أو تمويل مباشر، مما يعني أن النتائج الإيجابية المتوقعة ستكون مرحلية وتعتمد على التنفيذ الفعال للإصلاحات الداخلية.
كما أن تحسين البيانات والإصلاحات المؤسسية لا يُترجم إلى تحسن فوري في مستوى معيشة المواطنين الذين لا يزال 9 من كل 10 منهم يعيشون في فقر. ويتطلب ذلك توسيع الحيز المالي في الموازنة لتلبية الاحتياجات الأساسية ودعم الفئات الأكثر هشاشة، وهو ما أوصى به الصندوق.
وإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام استخدام حقوق السحب الخاصة لسوريا بسبب حق النقض (الفيتو) من قبل بعض الأعضاء في الصندوق، مما يقلل من الوصول إلى التمويل الضخم اللازم لإعادة الإعمار.
وباختصار، يُشكل “برنامج التعاون المكثف” مع صندوق النقد الدولي خطوة محورية في مسار التعافي السوري، كما يفتح الباب أمام شرعية اقتصادية دولية حيوية، ويدعم أسس الشفافية والإصلاح المؤسسي اللازمة لجذب الاستثمارات.
ومع ذلك، يبقى النجاح النهائي مرهوناً بقدرة دمشق على تحويل هذه المساعدة الفنية إلى إصلاحات هيكلية عميقة تلامس الواقع المعيشي للسوريين وتضمن استدامة النمو الاقتصادي في السنوات القادمة.
