اخترنا لكم

إيران.. ثنائية المقاومة والاحتلال

بهاء العوام


واقع الحال يقول إن في المنطقة العربية مَن يعتقد أن إيران تقود “محور مقاومة” لتحرير فلسطين.

والواقع أيضاً يقول إن هؤلاء الواهمين لا يلحظون أي تناقض في ثنائية المقاومة والاحتلال التي تمثلها طهران في الشرق الأوسط.

في الطريق إلى القدس، كما يكذب قادة محور “المقاومة”، تحتل إيران دولاً وتهدم مدناً وبلدات وتقتل شعوباً في المنطقة. ولكن ذلك يبدو هامشياً أو غير مرئي بالنسبة لهم. بل إنهم يدافعون عن سلوكها، ويبررونه كجزء من حرب “مشروعة” ضد “المؤامرة الصهيونية والإمبريالية” على مشروع “المقاومة العظيمة”.

تعتمد إيران في التسويق لرواية “المقاومة” على أبواق ومنابر إعلامية وسياسية عدة، ولكن الأسوأ من هذا وذاك، هو “مليشيات المقاومة” التي تقلب الوقائع وتزيف الحقائق من أجل إيران. ليس هذا فقط، وإنما تمنح طهران صكوك غفران عن الدم العربي الذي يزهق على يد الحرس الثوري أو مرتزقته في الشرق الأوسط.

أن يشكر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إيران “المقاومة” على دعمها ضد الإسرائيليين يعني ببساطة قبول الحركة بما يفعله الإيرانيون في المنطقة العربية، بل إنها تمنح طهران صك غفران عن دم مَن قتلتهم في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن.

تجاهل حركة حماس لما تفعله إيران بحق شعوب هذه الدول ليس جديداً، ولكن عندما يشكر إسماعيل هنية طهران علناً في خطاب “نصر” حماس على الاحتلال الإسرائيلي، فهذه خصومة واضحة للحركة مع الدول العربية التي ترى أن الخطر الإيراني على المنطقة لا يقل عن أي خطر خارجي، وربما يكون الأكثر تهديداً وضرراً.

هو تواطؤ يشبه كثيراً ما تفعله مليشيا حزب الله في سوريا والعراق ولبنان، والحوثي في اليمن. ولكنه يتجسّد بأبشع صوره عندما يصدر من حركة تطالب العالم كله بتأييد مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته تنكر على شعوب شقيقة الحق في مواجهة الاحتلال الإيراني. وكأن ما هو حلال لها حرام على غيرها.

رغم أن “نصرها” على المحتل الإسرائيلي كان مكلفا جداً بالنسبة لقطاع غزة، ورغم أنه لا يزال مجهول الملامح، إلا أن الشعوب العربية تعاطفت مع غزة منذ اليوم الأول للحرب. لم تكترث هذه الشعوب لمن بدأ بإطلاق الصواريخ على الآخر، ولم تكترث أيضاً إلى أن صواريخ حماس كانت إيرانية الصنع، فالمهم أن الفلسطينيين يقاومون احتلالاً، ولهم حق المقاومة في سبيل دولة مستقلة وحرة.

من بين الشعوب التي تعاطفت مع غزة تلك التي عانت ولا تزال من الهيمنة الإيرانية على أراضيها. ولكن حركة حماس لم تكترث، وردت على تأييد هذه الشعوب لها بشكر طهران وتجديد الولاء لنظام خامنئي، فتورطت أكثر من أي وقت مضى بذلك النفاق والتضليل الذي يميز بين محتل وآخر، وبين باطل وباطل مشابه.

ولأن “نصرها” حمل خيانة لمن يؤمن بحق واحد للفلسطينيين وغير الفلسطينيين بمقاومة المحتل، ولمن يرفض ازدواجية المعايير في التعامل مع الاحتلال أياً كانت ماهيته، فإن حماس لن تنعم بذات التعاطف الشعبي والرسمي الذي حصدته في حربها الأخيرة مع إسرائيل. ستعود بسرعة كبيرة إلى حقيقتها كبؤرة “مقاومة” انتهازية.

في معاركها السياسية والعسكرية المقبلة مع إسرائيل، ستلمس حماس من الشعوب العربية تجاهلاً يشبه التجاهل الذي وجدته من بؤر “المقاومة” الأخرى في حربها الأخيرة. فلم تطلق على إسرائيل حجرا واحدا من جبهات سوريا والعراق ولبنان واليمن يحمل توقيع “المقاومة”، وكأن الأمر يحدث في قارة أخرى، أو أن خصم حماس ليس تلك “الصهيونية العالمية” التي يهددها ويتوعدها “المقاومون” في طهران ليل نهار.

تعرف تلك البؤر حقيقة الانتهازية التي مارستها حماس في الحرب الأخيرة، وتعرف أيضاً حقيقة الثنائية التي تجعل من إيران مقاومة واحتلالاً في الوقت ذاته. لهذه البؤر صفات كثيرة مشتركة لأن المعلم والراعي واحد، وجميعها تمارس ذات الدور في التآمر على الشعوب العربية عبر إحباط وقف المد الإيراني في المنطقة.

لو كان هناك محور “مقاومة” حقاً لما عاشت حماس لحظة حرب واحدة دون بقية الجبهات، ولكن الحقيقة أن لكل بؤرة “مقاومة” أجندتها الخاصة في التعامل مع إسرائيل. جميعها تريد أن ترضي الراعي الإيراني طبعاً، ولكن لكل منها مصالحها الخاصة والضيقة في الدول التي تتطفل عليها وتقتات على قوت وخيرات ودم شعوبها.

لن يحفظ التاريخ لحماس “نصراً” مغلفاً بتجاهل الشعوب التي تعاني من احتلال إيراني لدولها. وإن كان من إيجابية لما جرى في فلسطين مؤخراً، فهي تأييد دول الغرب والشرق لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وتمييز هذا الحق عما تمارسه بؤر “المقاومة” في المنطقة من عدائية وانتهازية وتضليل بحق الشعوب العربية.

لم يكشف هنية أكثر مما يعرفه كثيرون عن نفاق خطاب الترويج لإيران “المقاومة” بالمنطقة، ولكنه زاد من قناعة متزايدة لدى الشعوب العربية بأن المقاومة المزيفة لا تصنع أوطاناً، وإنما تخرب أجيالاً وتهدم أحلاماً كبرى بالاستقلال والحرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى