أصدر معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في مارس/آذار 2021 تقريره السنوي عن تجارة السلاح في العالم.
وهو التقرير الذي يسجل حركة بيع وشراء الأسلحة بين دول العالم، ويرصد اتجاهات الزيادة أو النقصان فيها. ويتمتع هذا التقرير بالمصداقية نظراً لدقة المعلومات الواردة فيه ولعدم ارتباط المعهد باتجاهات سياسية تؤثر على تحليلاته.
ولما كان إتمام صفقات السلاح يستغرق عدة سنوات ما بين إبرام الاتفاق ثم تصنيع السلاح وتصديره، فإن تقارير المعهد لا تشير إلى سنة محددة. ومن ثَم، فإن الأرقام الواردة في هذا التقرير تغطي الفترة 2016-2020، وعندما تشير إلى زيادة أو نقصان فالمقارنة تكون مع فترة السنوات الخمس السابقة 2011-2015.
يشير التقرير إلى استمرار حالة الاستقرار في حجم مبيعات السلاح التي بدأت في عام 2011، مع حدوث تغيُّرات في نسب مبيعات الدول الخمس الكبرى المصدرة للسلاح. فمن ناحية، زادت مبيعات الولايات المتحدة التي تشغل المرتبة الأولى بنسبة 15%، وفرنسا التي تشغل المرتبة الثالثة فزادت مبيعاتها بنسبة 44%، وألمانيا التي تشغل المرتبة الرابعة بنسبة 21%.
ومن ناحية أخرى، تراجعت مبيعات روسيا التي تشغل المرتبة الثانية بنسبة 22%. ويرجع هذا الانخفاض -وفقاً للتقرير- إلى تراجع مشتريات الهند من السلاح الروسي، وتبلغ صادرات السلاح الروسي إلى الشرق الأوسط نسبة 21% من إجمالي مبيعاتها. وكذلك انخفضت مبيعات الصين التي تشغل المرتبة الخامسة بنسبة 7.8%، وكانت باكستان وبنجلاديش والجزائر أهم الدول المستوردة له.
وخلافاً لحالة الاستقرار في حجم تجارة السلاح التي سادت العالم، فقد شهد الشرق الأوسط أكبر ارتفاع في مشتريات السلاح مقارنة ببقية مناطق العالم بنسبة 33%. ويعود هذا الارتفاع إلى زيادة مشتريات السلاح لكثير من دولها، أبرزها قطر بنسبة 361%، ومصر بنسبة 136%، والجزائر بنسبة 64%، والسعودية بنسبة 61%، والأردن بنسبة 38%.
وبلغت مشتريات دول المنطقة 47% من إجمالي المبيعات الأمريكية. ووفقاً للتقرير، فقد شملت قائمة الدول العشر الأكثر شراءً للسلاح في العالم خمس دول عربية، فشغلت السعودية المرتبة الأولى بنسبة 11%، ومصر المرتبة الثالثة بنسبة 5.8%، والجزائر المرتبة السادسة بنسبة 4.3%، وقطر المرتبة الثامنة بنسبة 3.8%، والإمارات المرتبة التاسعة بنسبة 3%.
رصد التقرير عدداً من المؤشرات الهامة بالنسبة للدول غير العربية في المنطقة، فسجل انخفاض مشتريات تركيا من الأسلحة بنسبة 48% وأرجع ذلك إلى العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وامتناعها عن بيع طائرات فانتوم 35 بسبب حصول أنقرة على منظومة الصواريخ الروسية إس- 400.
أما بشأن إيران، فقد سجل التقرير أن مشترياتها من السلاح بلغت 0.3% من تجارة العالم، وذلك بعد رفع الأمم المتحدة للقيود المفروضة على بيع السلاح لها عام 2020. واستخدمت إيران إمدادات السلاح كأداة لمد نفوذها كما هو في حالات حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحماس في فلسطين، وبعض مليشيات الحشد الشعبي في العراق.
يمكن تحليل نمو تجارة السلاح في منطقة الشرق الأوسط بدرجة تفوق أي منطقة أخرى رغم الآثار الاقتصادية لوباء كوفيد- 19 بثلاثة عوامل: الأول، هو استمرار التهديدات الموجهة إلى الأمن القومي لعدد من الدول مثل التهديد الإيراني للدول العربية، والتهديد التركي للمصالح المصرية في غاز شرق المتوسط.
والثاني، هو التهديدات الأمنية المرتبطة بالصراعات والحروب الداخلية في بعض الدول كسوريا وليبيا واليمن، وممارسات التنظيمات الإرهابية المزعزعة للاستقرار. والثالث، هو التطلعات التوسعية للدول غير العربية في المنطقة وسعيها لمد نفوذها فيها.
لقد كتب هنري كيسنجر مرة أن الشرق الأوسط هو “مرجل الصراعات في العالم”، وما دام استمرت هذه الصراعات بين الدول أو بداخلها، فإنه سوف يستمر الشعور بعدم الأمن والحاجة إلى شراء السلاح.