المغرب العربي

اتفاق بوزنيقة: هل يكون بداية لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا؟ خبراء يوضحون


في خطوة متجددة نحو استعادة الاستقرار السياسي في ليبيا، شهدت مدينة بوزنيقة المغربية، الأربعاء، اجتماعًا تاريخيًا بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، أسفر عن اتفاقات تمهد لمرحلة جديدة من التحولات السياسية في البلاد.

الاتفاق الذي تم توقيعه يركز على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتحقيق الاستحقاق الانتخابي الذي طال انتظاره، في محاولة جادة لتجاوز الانقسامات المستمرة في الساحة الليبية، يهدف الاتفاق إلى تهيئة المناخ اللازم لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من خلال إعادة ترتيب آليات اختيار الحكومة وتنظيم المشهد السياسي، مع تعزيز آليات الشفافية واللامركزية، ويُعد هذا الاتفاق بمثابة فرصة لإطلاق مرحلة جديدة، تعتمد على المراجعة الدقيقة لكل الأبعاد السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الأمنية.

حلول جذرية

في خطوة جديدة نحو استقرار الوضع السياسي في ليبيا، عقد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيان اجتماعًا استراتيجيًا في مدينة بوزنيقة المغربية، حيث اتفق الجانبان على تحديد المرحلة التمهيدية لإجراء الاستحقاق الانتخابي المرتقب، وجاء هذا الاتفاق بعد أيام من الاجتماعات المكثفة التي جمعت ممثلين عن المجلسين في إطار الحوار السياسي الليبي-الليبي الذي يسعى إلى إيجاد حلول جذرية للأزمة المستمرة في البلاد.

وركز الاتفاق على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية استنادًا إلى المادة الرابعة من الاتفاق السياسي الليبي الذي تم اعتماده في 2015 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2259.

هذا التوجه جاء في سياق تنفيذ الانتخابات وفقًا للقوانين الانتخابية المتفق عليها، ما يفتح الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، كما اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة للعمل على إعادة تكليف السلطة التنفيذية الجديدة، بحيث تشمل مهامها التنسيق مع البعثة الأممية والأطراف المحلية والدولية ذات الصلة.

علاوة على ذلك، تم التركيز على أهمية مراجعة آلية الاختيار التي تم التوصل إليها في لقاء سابق بين المجلسين في القاهرة، بهدف تعزيز آلية اتخاذ القرار والتوصل إلى مقترحات قابلة للتنفيذ لضمان سير العملية الانتخابية بسلاسة ووفق المعايير المتعارف عليها.


أبرز النقاط

من أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها أيضًا تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ مشروع التعداد الوطني العام، الذي يُعد من أولويات المرحلة المقبلة.

ويهدف هذا المشروع إلى إعداد قاعدة بيانات شاملة للمواطنين الليبيين، ما يساعد على ضمان دقة وشفافية الانتخابات. بالإضافة إلى إطلاق مشروع “انطلاقة” الذي يهدف إلى تنظيم الرقم الوطني للمواطنين الليبيين.

الجانبان أكدا أيضًا ضرورة تشكيل لجان مشتركة لدراسة الملفات الحيوية، مثل المسار الاقتصادي والمالي، إضافة إلى ملفات الحكم المحلي. التي تتطلب جهودًا منسقة بين مختلف المؤسسات لضمان التوزيع العادل للموارد بين المناطق.

كما تم التوافق على تشكيل لجنة خاصة لمتابعة القضايا الأمنية. ما يعكس الجهود المستمرة لحل النزاعات الأمنية وتحقيق الاستقرار في البلاد.

وفيما يتعلق بالمناصب السيادية، اتفق الجانبان على استكمال عملية إعادة تكليف هذه المناصب خلال الفترة المقبلة، علاوة على ذلك، تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة ملف الأموال المهربة وغسيل الأموال، بحيث تتولى هذه اللجنة اقتراح التشريعات اللازمة لمكافحة هذه الظواهر السلبية التي تضر بالاقتصاد الليبي.

وأعلن المجلسان عن وضع جدول زمني لتقديم تقارير اللجان المشتركة خلال الشهر المقبل، بحيث يتم عرض نتائج العمل للموافقة عليها من قبل المجلسين في الاجتماع القادم، المزمع عقده في مدينة درنة في نهاية يناير 2025. وتأتي هذه الاجتماعات ضمن جهود مستمرة لتحقيق تسوية شاملة للملف الليبي.

يذكر أن الاتفاق جاء كجزء من استمرار الجهود التي بدأتها المملكة المغربية في عام 2015. والتي أسفرت عن توقيع “اتفاق الصخيرات” الذي كان بمثابة نقطة تحول حاسمة في مسار الأزمة الليبية. 

منذ ذلك الحين، نجحت المملكة المغربية في توفير منصة للحوار بين الأطراف الليبية المختلفة، بما ساهم في الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام. ويسعى الاتفاق الجديد إلى تعزيز هذا الدور، حيث تمثل بوزنيقة محطة مهمة في إطار الجهود الدولية الرامية لدفع العملية السياسية نحو انتخابات نزيهة وديمقراطية في ليبيا.

مصالحة وطنية حقيقية

من جانبه، يقول المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل: اتفاق بوزنيقة يمثل خطوة مهمة في مسار التسوية السياسية في ليبيا. ولكنه ما يزال بحاجة إلى تنفيذ فعلي على الأرض لضمان نجاحه.

وأضاف رغم أن الاتفاق أتاح وضع إطار قانوني وعملي لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتنظيم الانتخابات، إلا إن التحديات التي تواجهها البلاد في المجالات الاقتصادية والأمنية قد تظل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الاستقرار.

وتابع المحلل السياسي الليبي: من جهة أخرى، يبقى دور المجتمع الدولي مهمًا في دعم الأطراف الليبية للوصول إلى اتفاق شامل يُحترم من الجميع، مضيفًا: هناك أيضًا ضرورة لتعزيز الثقة بين المجلسين والمكونات السياسية المختلفة في ليبيا. والتي ما تزال تعاني من انقسامات عميقة. 

وأكمل، من هنا، يتعين على الأطراف الليبية أن تسعى إلى بناء مصالحة وطنية حقيقية بعيدًا عن الأجندات الخاصة. 

واختتم عقيل، لا شك أن الفشل في تنفيذ بنود هذا الاتفاق سيكون له تداعيات سلبية على العملية السياسية في البلاد، ويُعرض جهود الحوار للخطر. ولكن الأمل يبقى في أن تتبنى جميع الأطراف هذه الفرصة كمرحلة جديدة للانطلاق نحو الاستقرار.

تساؤلات مشروعة

في السياق ذاته، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: رغم التفاؤل الذي يحيط باتفاق بوزنيقة، إلا إن هناك تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الأطراف الليبية على الالتزام به. وتطبيقه على المدى الطويل.

وأضاف من خلال تجارب سابقة، رأينا أن العديد من الاتفاقات قد تم توقيعها. ولكن تنفيذها ظل ضعيفًا؛ مما أثّر على ثقة المواطن الليبي في الحلول السياسية.

وتابع: اليوم، ليبيا بحاجة إلى أكثر من مجرد اتفاقات جديدة، فهي بحاجة إلى رؤية شاملة تضمن دمج جميع القوى السياسية والمجتمعية في عملية البناء. مضيفًا: أن العائق الأكبر قد يكون في طبيعة التحديات الأمنية التي تعيشها البلاد. حيث إن استمرار الجماعات المسلحة في بعض المناطق يشكل تهديدًا رئيسيًا لاستقرار الحكومة المستقبلية.

وأشار المنجي، إن المحك الحقيقي لهذا الاتفاق سيكون في قدرة الحكومة الجديدة على مواجهة قضايا حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتوزيع الثروات بشكل عادل، إذا ما تم تجاوز هذه التحديات بنجاح، قد يكون هذا الاتفاق بداية تحول حقيقي في تاريخ ليبيا السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى