سياسة

احتجاجات في غزة ضد حماس للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية


لأول مرة منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، خرج الشعب في مختلف مناطق قطاع غزة ضد حركة حماس، لمطالبتها بضرورة التنحي عن الحكم .والخروج من غزة لوقف الحرب التي أنهكت السكان ودمرت حياتهم. والتي تسببت بها حماس في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على غلاف غزة، وما تبع ذلك من هجمة إسرائيلية شرسة على القطاع دمرت البشر والشجر والحجر.

وتشهد شعبية حماس تراجعًا كبيرًا وملحوظًا في غزة منذ بداية الحرب. ويوجه السكان اللوم لحركة حماس التي أوصلتهم إلى هذه الحالة من المعاناة التي لم يُشهد لها مثيل منذ بداية تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى أنّ حماس داخليًا هناك انشقاقات بين عناصرها وقيادتها ممّن يرفضون طريقة إدارة الوضع، وتجاهل الحركة لمعاناة الشعب مقابل الحفاظ على بقائها في حكم غزة. 

واتجهت إسرائيل إلى طريقة جديدة تضغط من خلالها على حركة حماس للتنازل عن شروطها التفاوضية، من خلال دفع الشعب للخروج والانقلاب عليها، وقد دعا إسرائيليون مقربون من الجيش، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مكالمات صوتية ورسائل هاتفية تحريضية. السكان في غزة إلى ضرورة الخروج في مسيرات ضد حماس والضغط عليها للتنازل من أجل مصلحة الشعب الذي يعاني من تبعات تعنت حماس، ورفضها تسليم الرهائن الإسرائيليين والتنحي عن الحكم، وترك الشعب يقرر مصيره ويعيش بكرامة.

تشهد شعبية حماس تراجعًا كبيرًا وملحوظًا في غزة منذ بداية الحرب

وبعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة وبدء عودة الحياة بشكل تدريجي في غزة، انقلبت إسرائيل على اتفاق التهدئة ورفضت الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. وشنت هجومًا جويًّا في 18 آذار ( مارس) الماضي ضد قيادات بارزة في حماس. وأغلقت إسرائيل كافة المعابر الحدودية مع غزة، ومنعت إمداد القطاع بالغذاء والدواء، وهو ما شكّل مرحلة جديدة وخطيرة من الضغط والجوع على السكان.

حدة المسيرات تصاعدت خلال الأيام الماضية في العديد من المناطق، وأبرزها مدينة بيت لاهيا وخان يونس، وشارك مئات الآلاف من المواطنين في هذه المسيرات، لا سيّما مخاتير ووجهاء تلك المناطق. بعدما زاد ضغط الجيش الإسرائيلي على المدنيين بعد تجدد القتال. ودفع سكان تلك المنطقتين إلى النزوح قسرًا ودخول المواطنين في معاناة النزوح مجددًا. لكنّ تلك المسيرات لم تنجح أهدافها، لا على صعيد الشعب الغزي ولا على صعيد إسرائيل، بعد أن سارعت حماس إلى قمع منظّمي تلك المسيرات. واعتقال وقتل عدد كبير منهم، وتوجيه تهمة التخابر مع إسرائيل إليهم.

 على صعيد السكان في غزة، باتوا في حالة عارمة من الغضب من تكرار تصريحات قادة حماس في الخارج، التي تطالب السكان بمزيد من الثبات والصمود في هذه المحنة. بدون وجود أيّ مقومات على الأرض يمكن من خلالها أن يصمد الشعب مزيدًا من الوقت، في ظل نقص المياه والغذاء وعدم توفر الكهرباء وانتشار الأمراض، واستمرار عمليات الجيش في القطاع، وفرض مزيد من الضغط العسكري على المدنيين لدفع حماس إلى التنازل، لكنّ حماس، في المقابل. باتت معاناة الشعب آخر ما يهمّها أمام تحقيق مصالحها التي يحاول الجيش الإسرائيلي القضاء عليها.

يقول المواطن أبو زياد، وهو نازح من مخيم جباليا ولا يجد مأوى له: أولادنا وشعبنا يستحقون حياة كريمة، وبدنا نعيش زيّ باقي شعوب العالم، وجود حماس تسبب لنا بالدمار والخراب. وعلى مدار (19) عامًا من حكم حماس تعرضت غزة لأكثر من (5) حروب مدمرة. ونحن وصلنا إلى مرحلة لنتجاوز الصمت، ونخرج لنقول لحماس يكفي هذا الاستهتار بأرواح الغزيين”.

حدة المسيرات تصاعدت خلال الأيام الماضية في العديد من المناطق، وأبرزها مدينة بيت لاهيا وخان يونس

ويوضح في حديثه لـ (حفريات): “تحملنا الجوع والعطش منذ بداية هذه الحرب. وما زلنا نعاني من مجاعة كارثية وخطيرة، وإسرائيل تساوم الشعب إمّا الجوع والقتل والتهجير، وإمّا باستسلام حماس، ونحن نطالب حماس بالنظر إلى وضع الناس، الأطفال والمرضى والشيوخ يموتون جوعاً. وفي كل دقيقة تزهق أرواح مواطنين جرّاء استمرار القصف الإسرائيلي.

ويتساءل المواطن: “لا أعرف متى تستجيب حماس للمعاناة التي يواجهها الشعب، وحجم الخطر الكبير الذي يحوم على غزة، في ظل سيطرة الجيش على المزيد من المساحات وهدم ما تبقى من منازل ومنشآت قائمة. ألا يكفي حماس أن تتعظ بعد ما شاهدت ما حدث في جباليا ورفح وبيت حانون، وما حصل لهذه المدن من تجريف كامل للمباني وتحويلها إلى خيام؟. 

أمّا المواطن أبو وسيم، فهو الآخر نازح من مخيم جباليا، ويعيش في خيمة قام بنصبها على رصيف إحدى الطرق وسط مدينة غزة، ويعاني من ظروف معيشية ومادية لا يمكن وصفها. ولا أحد ينظر إلى حاله، كحال باقي الآلاف من النازحين الذين تُركوا ليقرروا مصيرهم وحدهم أمام المجاعة والقتل والنزوح المتكرر.

ويشير  إلى أنّه “خرج عن صمته، وما زال يشارك في المسيرات التي تخرج هنا وهناك، أملًا في انصياع حماس لمعاناة المواطنين وترك غزة وإقناع الإسرائيليين بوقف حرب الإبادة. فلم يعد هناك مجال للصمود والتحمل أكثر من ذلك، وعلى قادة حماس البحث عن حلول واقعية تنهي معاناتنا بدلًا من الشعارات الكاذبة”.

ولفت إلى أنّ “إسرائيل منذ انطلاق شرارة الحرب تعمل على تهجير الغزيين، بل تضغط بوسائل على الأرض لدفع السكان نحو الهجرة الطوعية، ونحن منذ بداية الحرب تحملنا الموت والجوع والتشريد. لكن اليوم لم يعد فينا حيل للثبات والصمود. وحقًا بدأت أفكر بالهجرة إلى خارج القطاع، بحثًا عن حياة كريمة لأولادي بعد أن ضاع مستقبلهم التعليمي والوظيفي”.

وعقب كل مظاهرة تخرج مشاهد مصورة من حشود الجماهير في غزة، والتي تهتف: “بدنا نعيش…، برّا برّا برّا، حماس تطلع برّا”، إلى جانب لافتات تُرفع كتبت عليها شعارات مثل: “يكفي هذا الدمار والموت”، لكنّ هذه المظاهرات لم تسعف المواطنين في حقن دمائهم وتخفيف معاناتهم. بل إنّ جهاز أمن حماس يواصل اعتقال منظّمي هذه المظاهرات. وقد تعرض عدد كبير من الشبان للتنكيل والتعذيب، وهذا الأمر زاد من غضب المواطنين في ظل المتاهة التي يعيشونها، وعدم وجود من ينقذهم ويخرجهم من الجحيم الذي وقعوا فيه منذ ما يزيد عن عام ونصف عام من حرب الإبادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى