اختبار سياسي حساس.. برلمان لبنان يبحث قضية حصرية السلاح

تترقّب الأوساط السياسية في لبنان جلسة مجلس الوزراء الجمعة والتي من المقرر أن يقدم فيها الجيش خطة الآلية التنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة، وسط توتر متصاعد بشأن الخطة وتحذيرات من تداعيات عدم التوصل لتوافق بشأنها.
وفي 19 يونيو/ حزيران الماضي، قدم الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، ورقة مقترحات إلى الحكومة اللبنانية، تضمنت نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة، مقابل انسحاب إسرائيل من 5 نقاط حدودية تحتلها في الجنوب، إضافة إلى الإفراج عن أموال مخصصة لإعمار المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول في سبتمبر/ أيلول 2024 إلى حرب شاملة قبل التوصل إلى اتفاق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تواصل إسرائيل خرقه فضلا عن مواصلتها احتلال 5 تلال سيطرت عليها خلال الحرب.
وفي 5 أغسطس/ آب المنصرم، أقر مجلس الوزراء اللبناني “حصر السلاح” بما فيه سلاح حزب الله بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة لإتمام ذلك خلال أغسطس وتنفيذها قبل نهاية عام 2025. ولكن وزراء الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل انسحبوا من الجلسة، ودفعا بأنصارهما للاحتجاج على مدى أيام متتالية.
من المتوقع أن يُعرض مشروع خطة الجيش اللبناني أمام اللجنة الخماسية بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل ودول عربية
وفي أكثر من مناسبة، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أن الحزب لن يسلم سلاحه إلا في حال انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وإيقاف عدوانها على البلاد والإفراج عن الأسرى وبدء إعادة الإعمار.
وفي 21 أغسطس/آب الماضي، بدأ الجيش اللبناني استلام السلاح الفلسطيني في مخيم برج البراجنة ببيروت، في أول مرحلة، قبل أن يتسلم السلاح لاحقا من مخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي بمدينة صور (جنوب) ومخيمات أخرى.
ويعقد مجلس الوزراء اللبناني جلسته في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري في قصر الرئاسة لبحث جدول أعمال من أبرز بنوده خطة الجيش اللبناني بشأن آلية تطبيق خطة “حصر السلاح بيد الدولة” على أرض الواقع.
ولحين انعقاد الجلسة المنتظرة، لا تزال الاتصالات مستمرة على أرفع المستويات لمحاولة عقد الجلسة وضمان عدم مقاطعة وزراء حزب الله وحركة أمل.
وقال الكاتب والمحلل السياسي حسن الدر، إن جلسة مجلس الوزراء المرتقبة تمثل “محطة مفصلية وحساسة” في المسار السياسي اللبناني.
وشدد على أن جدول أعمال الجلسة سيكون العامل الحاسم في تحديد الموقف الشيعي من المشاركة أو المقاطعة.
وأوضح الدر أنه “في حال كان جدول أعمال الجلسة محصورا ببند خطة الجيش لحصر السلاح، فإن وزراء حركة أمل وحزب الله لن يشاركوا، لكنهم مستعدون لمناقشة الخطة إذا أُدرجت ضمن بنود متعددة من منطلق وطني يراعي الحفاظ على السلم الأهلي وتجنب أي صدام داخلي””.
وحذر الكاتب من أن “تحديد مهلة زمنية للجيش لتنفيذ خطة حصر السلاح بالقوة، يعني أن هناك توجها خارجيا لتفجير الوضع في لبنان”.
واعتبر أن “انسياق السلطة اللبنانية خلف هذا المسار يُظهر أنها لا تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الإقليمية والدولية، ما يضع البلاد أمام مرحلة حرجة للغاية”.
ورأى الكاتب الدر أن الزيارة المرتقبة لمنسقة البيت الأبيض لشؤون الشرق الأدنى مورغان أورتاغوس، إلى بيروت الأحد المقبل، برفقة قائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، تحمل دلالات رمزية وسياسية وعسكرية، معتبرا أن لبنان “بات فعليا تحت وصاية خارجية شاملة”.
وتوقع أن يُعرض مشروع خطة الجيش اللبناني أمام اللجنة الخماسية “الميكانيزم” بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، ودول عربية.
وقال الدر “إن صحت هذه المعلومات فستضع جميع اللبنانيين أمام لحظة مصيرية تتعلق بالسيادة الوطنية والكرامة”.
وتضم اللجنة الخماسية ممثلين عن الجيش اللبناني وإسرائيل وقوة حفظ السلام الأممية المؤقتة “اليونيفيل”، إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، وهما الدولتان الوسيطتان في اتفاق وقف إطلاق النار.
وتحدثت وسائل إعلام محلية ودولية عن زيارة خاطفة تجريها أورتاغوس إلى بيروت الأحد المقبل برفقة كوبر.
وتأتي الزيارة المرتقبة بعد نحو 10 أيام على مغادرتها بيروت، وبعد الجلسة الوزارية المنتظرة الجمعة، والتي يفترض أن تقرّ خطة الجيش لسحب سلاح حزب الله.
وفي 25 أغسطس/ آب الماضي، أجرى المبعوثان الأميركيان توماس باراك ومورغان أورتاغوس، زيارة إلى بيروت دامت أياما، قادمين من إسرائيل، وانضم إليهما لاحقا السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام.
من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي طوني بولس، إلى أن تزامن زيارة أورتاغوس مع زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، نهاية الأسبوع المقبل، يأتي في سياق دعم دولي لمسار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وأوضح بولس أن هذه الزيارات “تؤكد وجود توافق أميركي-أوروبي، مدعوم بمساندة عربية، لتطبيق الدستور اللبناني وتنفيذ القرارات الدولية، والعمل على إعادة انتظام المؤسسات الرسمية”.
ولفت إلى أن خطة الحكومة اللبنانية لحصر السلاح “تحظى بإجماع عربي ودولي، وسط التزام بدعم الدولة اللبنانية والجيش لتنفيذ هذا القرار بكافة الوسائل المتاحة”.
وأكد بولس أن هذه الزيارات “تحمل رسائل مباشرة لحزب الله”، معتبرا أنه “في حال أصرّ الحزب على التمرد على سلطة الدولة ورفض التعاون مع الجيش، فإن ذلك قد يؤدي إلى مواجهات داخلية وتهديد للاستقرار”.
وختم قائلا “المجتمع الدولي يوضح من خلال تحركاته الأخيرة، أنه لن يقف مكتوف الأيدي، وأنه مستعد لتقديم الدعم السياسي والاقتصادي، وربما العسكري، لضمان تطبيق خطة الدولة وفرض السيادة الكاملة على الأراضي اللبنانية”.
بدوره، قال العميد المتقاعد والمحلل العسكري هشام جابر، إن الجيش اللبناني أعد “خطة تقنية مكتملة تهدف إلى جمع السلاح المنتشر خارج إطار الدولة”.
وأشار إلى أن “تنفيذ الخطة سيتم بشكل تدريجي وفق جدول زمني يستمر حتى نهاية العام الحالي”. وأوضح أن “الجيش لن يكون قادرا على تنفيذ الخطة ميدانيًا ما لم يتم التوصل إلى تفاهم واضح مع حزب الله”.
وأضاف “الجيش غير مستعد لاستخدام القوة أو الدخول في اشتباك مع شريحة واسعة من اللبنانيين يمثلها الحزب”.
واعتبر المحلل العسكري أن “نجاح الخطة يتوقف على مدى الوضوح في آليات تنفيذها”، مؤكدا أن “أي خطة لن تتجاوز الورق ما لم يتم التوافق السياسي عليها، لأن نزع السلاح دون اتفاق مع حزب الله غير ممكن عمليا”.
ولفت إلى أن هذا الواقع “يفرض على الدولة والجيش العمل على بلورة استراتيجية دفاعية وطنية يكون فيها حزب الله جزءًا من الحل، وليس طرفًا في المواجهة”، مشيرا إلى أن “هذا هو الموقف الذي أكّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
وأشار جابر إلى أن “التفاهم المرتقب حول خطة السلاح قد يمهّد لمشاركة الوزراء الشيعة في جلسة مجلس الوزراء المقبلة”.
وختم بالإعراب عن اعتقاده بأن “القرار الحكومي سيأخذ بعين الاعتبار هذا التوازن السياسي والأمني، لتفادي أي تصعيد داخلي”.