سياسة

اختراق حزب الله.. كيف نجحت إسرائيل رغم إخفاقها في غزة؟


رغم معاناة إسرائيل من «أسوأ فشل استخباراتي لها على الإطلاق»، قبل عام من الآن، مما تسبب في هجوم حركة حماس الذي أطلق شرارة حرب غزة، فإن الدولة العبرية «نجحت» على الجبهة الشمالية، في «مفاجأة» حزب الله.

فعلى مدار العقدين الماضيين، ومنذ خوضها حرباً ضد حزب الله في لبنان عام 2006، استعدت إسرائيل بـ«دقة» لصراع كبير آخر مع الجماعة اللبنانية ــ وربما مع إيران التي تدعمها، عبر استثمار وقتها ومواردها في اختراق الجبهة الشمالية عبر سلسلة من الجواسيس، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».

فما سر «نجاح» جواسيس إسرائيل في اختراق حزب الله؟

وتقول كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والخبيرة في شؤون الجماعات اللبنانية: «كان معظم تركيزنا منصبا على الاستعداد للمواجهة مع حزب الله. لقد أهملنا إلى حد ما الساحة الجنوبية والوضع المتطور مع حماس في غزة».

ولقد تركت سلسلة الهجمات الإسرائيلية في لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين حزب الله في «حالة من الذهول والصدمة»، إزاء قدرة إسرائيل على اختراق الجماعة، كما واجه صعوبة في سد الفجوات.

وانفجرت آلاف أجهزة النداء واللاسلكي التابعة لحزب الله في وقت واحد تقريباً في أيام متتالية في الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 37 شخصاً وإصابة نحو 3000 آخرين. وبعد فترة وجيزة، أدت غارة جوية في بيروت إلى مقتل مجموعة تضم أكثر من اثني عشر من القادة العسكريين.

ولا يزال أمن حزب الله ضعيفا، ففي يوم الثلاثاء، أدت غارة جوية إسرائيلية أخرى في جنوب بيروت إلى مقتل القائد الأعلى للصواريخ في حزب الله، فيما حاولت إسرائيل استهداف زعيم جماعة حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة، بغارة، تضاربت الآراء بشأن نتائجها وما إذا كانت أدت إلى مقتل الأخير أم لا.

جاءت هذه العمليات بعد شهرين تقريبًا من «إثبات إسرائيل قدرتها على اختراق حزب الله بقتل القائد الأعلى فؤاد شكر، الذي ظل بعيدًا عن أنظار الولايات المتحدة لأربعة عقود».

وقُتل فؤاد شكر في غارة جوية على شقته في الطوابق العليا من مبنى سكني في بيروت، حيث تم استدعاؤه بمكالمة هاتفية قبل ذلك بوقت قصير.

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن الحملة المكثفة التي شنتها أجهزة التجسس الإسرائيلية، ووحدات الاستخبارات العسكرية، أدت إلى تدمير قيادة حزب الله وتقليص ترسانته من الأسلحة. وقد أعقبت القوات الجوية الإسرائيلية حملة قصف ضربت أكثر من ألفي هدف هذا الأسبوع.

وقال رئيس الأركان الإسرائيلي يوم الأربعاء إن الجهود المكثفة كانت بمثابة تحضير لغزو بري. وتضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على الجانبين لوقف القتال، على أمل تجنب الحرب على جبهة أخرى أو حتى اندلاع حرب إقليمية مع استمرار القتال في غزة في شهره الثاني عشر.

ويقول أفنر جولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والذي يعمل الآن مع منظمة مايند إسرائيل، وهي مجموعة استشارية للأمن القومي، إن «نجاح إسرائيل ضد حزب الله مقارنة بفشلها فيما يتعلق بحماس يأتي لأن أجهزة الأمن في البلاد أفضل في الهجوم من الدفاع».

جولوف أضاف أن «جوهر عقيدة الأمن الإسرائيلية هو نقل الحرب إلى العدو. أما في غزة فكان الأمر مختلفا تماما. لقد فوجئنا، لذا كان الأمر بمثابة فشل».

ولقد راقبت إسرائيل عملية بناء ترسانة حزب الله منذ أن وقع الجانبان على هدنة في عام 2006 بعد حرب استمرت شهراً. وفي ذلك الوقت، كان العديد من أفراد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يشعرون بخيبة الأمل إزاء أداء الجيش في الحرب، حيث فشل في إلحاق ضرر كبير بحزب الله، الذي بدأ في إعادة بناء موقعه في الجنوب.

ونتيجة لذلك، سعى الجيش إلى فهم حزب الله بشكل أفضل وتقليص الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه إيران للجماعة، بما في ذلك من خلال حملة الغارات الجوية في سوريا والتي أصبحت تُعرف باسم «الحرب بين الحروب».

فهل أضعفت قوة حزب الله؟

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إسرائيل على مدى فترة طويلة لإضعاف قوة حزب الله العسكرية، فقد نجحت الجماعة اللبنانية في حشد ترسانة هائلة من الأسلحة يمكنها استخدامها في أي حرب.

والآن تدرس المجموعة كيفية الرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية المدمرة. فقد أطلق حزب الله أول صاروخ له على الإطلاق على العاصمة التجارية تل أبيب يوم الأربعاء، في رده الأكثر جرأة حتى الآن، لكنه لم يقترب حتى الآن من تنفيذ كل قدراته.

وقالت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي، إن «هناك خطراً يتمثل في أن النجاحات التي حققتها إسرائيل مؤخراً قد تجعلها تشعر بثقة مفرطة في نفسها»، مشيرة إلى أن «غزو لبنان بالقوات قد يمنح حزب الله الفرصة لإظهار تفوقه العسكري على الأرض».

وأضافت: «لقد رأينا مدى صعوبة وتحدي القضاء على منظمة معقدة مثل حماس، لكن حزب الله قصة مختلفة».

لكن ما سر الإخفاق في غزة؟

وعلى النقيض من ذلك، تبنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في غزة استراتيجية احتواء حماس في السنوات الأخيرة، معتقداً أن الجماعة الفلسطينية تركز على حكم غزة وليست مهتمة بحرب مع إسرائيل. وكان الجانبان قد خاضا سلسلة من الصراعات القصيرة في أعقاب استيلاء حماس على قطاع غزة في عام 2007، ويبدو أن زعيم الجماعة في القطاع، يحيى السنوار، كان أكثر اهتماماً بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني.

وكانت هناك دلائل تشير إلى أن الجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية كانت تخطط لهجوم، بما في ذلك التدريبات العسكرية التي أنبأت بالطرق التي اقتحمت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قللت من أهمية هذه التدريبات واعتبرتها مجرد تهديد لجمهور حماس في الداخل. وكان الجيش يشعر بالثقة في قوة الجدار العازل المتقدم تكنولوجيا الذي أقامه لفصل غزة عن الأراضي الإسرائيلية.

وقال عوزي شايع، وهو مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق، إن جمع المعلومات الاستخباراتية من مصادر بشرية ربما كانت لتحذر من وقوع هجوم أصبح أكثر صعوبة بعد انسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005 وتسليمه للسيطرة الفلسطينية.

شايع أضاف أن «القدرة على خلق استخبارات بشرية في غزة في منطقة صغيرة وكثيفة للغاية، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، حيث يظهر شخص غريب على الفور، تجعل الحياة أكثر صعوبة بكثير»، مشيرًا إلى أن «الوصول إلى الأشخاص في لبنان أو خارج لبنان المرتبطين بحزب الله أسهل».

سبب آخر وراء الإخفاق الإسرائيلي في غزة -بحسب وول ستريت جورنال- يعود إلى أنه كان يُنظَر إلى حماس باعتبارها تهديداً أقل قوة. فحتى قبل وقت قصير من التوغل الإسرائيلي من قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان كبار المسؤولين الإسرائيليين يستبعدون أي مؤشرات تشير إلى وقوع هجوم وشيك.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وصف الجيش الإسرائيلي غزة بأنها في حالة من «عدم الاستقرار المستقر»، وخلصت تقييمات الاستخبارات إلى أن حماس حولت تركيزها إلى إذكاء العنف في الضفة الغربية، وأنها تريد الحد من خطر الانتقام الإسرائيلي المباشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى