طرحت المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، مبادرة جديدة لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات.
ووضع حد لأزمة هذا البلد السياسية والإنسانية المستمرة منذ عشر سنوات، ضمن فوضى أحداث “الربيع العربي” المشؤوم.
وتتضمن هذه المبادرة، التي أعلنها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عدة بنود محددة، تشمل: وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحُديدة في الحساب المشترك في البنك المركزي اليمني في الحُديدة وفق اتفاق ستوكهولم بشأن الحُديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي أمام عدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة، بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
وعلى الرغم من أن الأفكار والمقترحات التي تضمنتها المبادرة السعودية الجديدة لا تذهب بعيداً عن تلك التي سبق أن طرحتها المملكة في السابق، ولا تعكس تغييراً في الموقف السعودي من الأزمة والمبني على ضرورة تسويتها وفقاً للمرجعيات الأربع التي تضمنتها هذه المبادرة، فإن المبادرة تحقق للمملكة أحد هدفين أو كليهما: الأول هو تأكيد حرص السعودية على التعاون مع جميع الجهود الدولية المبذولة لتسوية هذه الأزمة ووضع حد لها، ولا سيما جهود المبعوث الأممي إلى اليمن. والثاني إثبات أن جمود وتعثر عملية التسوية السلمية في اليمن يرجع بالأساس إلى تعنت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، لا سيما في ظل وجود بعض الأصوات في الغرب التي كانت تحمّل الرياض، بطريقة فيها قدر كبير من التحامل وعدم الموضوعية، مسؤولية الأزمة الإنسانية في هذا البلد.
وقد نجحت المملكة بالفعل في تحقيق الهدفين، حيث رفضت مليشيات الحوثي، كما هو متوقع، المبادرة السعودية، وأثبتت هذه المليشيات أنها، مثلها مثل حزب الله اللبناني، مجرد وكيل لإيران يأتمر بأمرها ولا تعتبر بحال من الأحوال حركة وطنية أو مدفوعة بأهداف وطنية، لأنه لا يهمها تحقيق السلام أو وقف معاناة شعبها، بل قامت هذه المليشيات بتصعيد هجماتها ضد المملكة العربية السعودية باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي استهدف أحدها محطة لتوزيع منتجات النفط في مدينة جازان، ما أدى إلى نشوب حريق في أحد خزانات المحطة، وشكّل تهديداً لأسواق النفط العالمية.
وهذا الموقف من جانب مليشيات الحوثي لم يكشف فقط تعنت هذه المليشيات وغباءها السياسي، وإنما أثبت أيضاً وجهة النظر السعودية بأنها، أي مليشيات الحوثي، هي المسؤولة عن تفاقم معاناة الشعب اليمني عبر وضع العراقيل أمام حل هذه الأزمة، في الوقت الذي أشادت فيه الأمم المتحدة ومختلف القوى الدولية بالمبادرة السعودية. وضمن هذا السياق، جاءت الانتقادات الأمريكية للهجمات الحوثية الأخيرة بوصفها “استفزازاً واضحاً يهدف إلى إدامة الصراع، ويهدد جهود السلام”، ما يؤكد أن النظرة الأمريكية تجاه الحوثي بدأت تتوافق من جديد مع نظيرتها السعودية.
لقد أصبح العالم كله الآن، وعلى رأسه بايدن، يدرك حقيقة أن أزمة الشعب اليمني تكمن بالأساس في مليشيات الحوثي التي تصر على إطالة أمد الحرب لأسباب لا علاقة لها بمصلحة الشعب اليمني وإنما لتحقيق مصالح إيران التي تستخدمهم كورقة في مفاوضاتها مع القوى الإقليمية والدولية. وهنا تكمن أهمية المبادرة السعودية التي ستحقق أحد هدفين؛ إما تحريك الضغط الدولي على الحوثي وتطبيق بنود المبادرة بما يحقق هدف السعودية الذي وضعته منذ بداية الحرب بتسوية الأزمة اليمنية وفق مرجعياتها الأربع، أو فشل المبادرة بسبب تعنت الحوثي وفي هذه الحالة سيوجّه المجتمع الدولي بوصلته وضغوطه نحو الطرف الحقيقي المسؤول عن أزمة اليمن ومعاناة شعبه وهو مليشيات الحوثي.