الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ التغلغل داخل الأحزاب والمؤسسات
يعود تاريخ تغلغل جماعة الإخوان في ألمانيا إلى حقبة الخمسينيات حيث بدأت العملية على يد سعيد رمضان قيادي الجماعة الذي تولى تجميع الدارسين والمبعوثين المصريين والعرب المسلمين في ألمانيا وتحديدا في مدينة ميونيخ منذ العام 1959.
وأقام رمضان عدة مساجد ومراكز مثلت قاعدة العمليات الأساسية لتنظيم الإخوان في أوروبا كلها، فيما قام عصام العطار، مراقب تنظيم الإخوان في سوريا، بتأسيس عدة مساجد ومراكز إسلامية في مدينة ايخن الألمانية. ونتيجة التنسيق بين السوريين عصام العطار وغالب همت في ايخن، والمصريين يوسف ندا وإبراهيم منير وإبراهيم الزيات في ميونيخ، نشأت أكبر شبكة تابعة للجماعة في أوروبا.
ومع توالي السنوات والعقود، أصبح تنظيم الإخوان في ألمانيا يسبب معضلة كبيرة لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وبدأت الجمعيات والمنظمات التابعة له التسلل إلى النظام الديمقراطي لخلق مجتمع مواز قائم على أيديولوجية الإخوان. بالإضافة إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين لا يزال يعول على المساجد والجمعيات التابعة له لاستقطاب وتجنيد شباب الجاليات المسلمة. لتوسيع نفوذه وتحقيق مكاسب سياسية، والتجسس. وهو ما أكدته الأجهزة الاستخبارية في ألمانيا حيث تعتبر جمعية “ديتيب” وسيلة أساسية لحزب العدالة والتنمية التركي ذو الخلفية الإخوانية للتجسّس على الأتراك في ألمانيا.
طرد الواجهات المرتبطة بالإخوان
لإقصاء الواجهات الشرعية لجماعة الإخوان المسلمين والتي يتم استخدامها كأداة لتحقيق مكاسب سياسية وتوسيع النفوذ، طرد المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا كافة الواجهات المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين من عضوية المجلس. وفي مقدمتها اتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمين والمركز الإسلامي في ميونخ. كما جرد “إبراهيم الزيات” المعروف بـوزير مالية الإخوان من كافة المناصب داخل الاتحاد.
منظمة الجماعة الإسلامية الألمانية (DMG)
كانت تسمى سابقا التجمع الإسلامي في ألمانيا، تعتبر جزءاً من الشبكة العالمية للإخوان المسلمين “ومنظمتها المركزية في ألمانيا“. وذلك بناء على الروابط والصلات الوثيقة في الهياكل والمناصب مع تنظيم الإخوان المسلمين هناك. وأشارت التقديرات الرسمية الصادرة من الأجهزة الأمنية الألمانية أن عدد أعضاء جمعية دي إم جي يصل حوالي 1450 عضواً.
وفي عام 2017 أكدت الاستخبارات الداخلية الألمانية من خلال استنادها لأحكام قضائية في ولاية هيسن أن إيديولوجية الجمعية متوافقة تماماً مع إيديولوجية تنظيم الإخوان. وتتضمن تلك الإيديولوجية إقامة أنظمة سيادة إسلاموية ومجتمع مواز لا يتفق مع مبادئ الديمقراطية والقيم الألمانية.
وذكرت هيئة حماية الدستور أن DMG تعد جزءاَ مما يسمي “الطيف القانوني” الذي يقصد به الجماعات التي تحاول إحداث تغيير على المدى البعيد استناداً إلى القوانين المحلية في المجتمع الألماني دون اللجوء إلى العنف أو شن هجمات إرهابية.
علاقة منظمة الإغاثة الإسلامية بالإخوان
تأسَّست منظمة الإغاثة الإسلامية في عام 1996 في مدينة كولونيا الألمانية وتُعدّ إحدى أكبر الجمعيَّات الإسلامية وأقواها ترابطًا في البلاد. وتعمل باعتبارها جزءاً من شبكة عالمية في أكثر من 40 بلداً في جميع أنحاء العالم. وتأتي التبرعات التي يحصل عليها فرع المنظمة في ألمانيا من الجاليات المسلمة في المجتمع الألماني. ومنحت المفوضية الأوروبية منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا (712) ألف يورو، وما زالت تعتبرها شريك إنساني للفترة بين 2021 و2027.
وترتبط المنظمة بروابط وثيقة بتنظيم الإخوان المسلمين، وتوجد علاقات مؤسسية وشخصية بينها وبين قيادات التنظيم. ولها روابط قوية بمنظمات أجنبية لاسيما حركة “حماس“. كما توجد تداخلات شخصية بينها وبين جمعية “التجمع الإسلامي الألماني (DMG)”، وهناك تداخلات أيضاَ بين فرع الإغاثة الإسلامية في ألمانيا والمنظمة الأم البريطانية والإغاثة الإسلامية العالمية (IRW) من حيث التاريخ التنظيمي والأيديولوجية.
وفي 21 أكتوبر 2021، حذرت سيجريد هيرمان مارشال، الباحثة الألمانية والخبيرة بشئون جماعات الإسلام السياسي، من خطورة استمرار تقديم الدعم المالي لجميع فروع منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية في ظل ثبوت ارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية وتوالي اتهامات الإرهاب والتطرف ضدها بشكل متزايد.
“Europe Trust” وغسيل الأموال في ألمانيا
في الظاهر تعد “Europe Trust” شركة ومؤسسة خيرية من خلال إنشاء محفظة من الأصول واستثمارات لاستغلال مواردها لتمويل المشاريع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الأوروبية. وفي الخفاء تعد أداة مالية لغسيل وتبييض الأموال، وأيضاَ إحدى الأدوات المالية الرئيسية لتمويل تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا لا سيما ألمانيا. وفي الغالب يكون مديرو وأمناء صندوق المنظمة من المسلمين الأوروبيين المنحدرين من أصول شرق أوسطية.
استحوذت المؤسسة على ممتلكات تبلغ مساحتها 5665 متراً مربعاً مع جناح إداري من 5 طوابق في موقع مصنع سابق لشركة AEG-Telefunken وانتقل العديد من الجمعيات والجماعات إلى هناك. وبلغت قيمة العقار الذي استحوذت عليه المنظمة 4 ملايين يورو في حي “ويدينج” في برلين. وهي منطقة تضم بالفعل العديد من الجمعيات التي يراقبها المكتب الفيدرالي لحماية الدستور(BfV) . وكانت في عام 2019 مؤسسة Europe Trust مالكة لعقار واحد في كل من برلين ولودنشايد.
وفي هذا السياق، يقول النائب البرلماني كريستوف دي فريس، عن الاتحاد المسيحي في 5 يونيو 2022 أنه: أصبح معروفاً أن إحدى منظمات الإخوان المسلمين النشطة في بريطانيا (أوروبا ترست) استحوذت على عقار في حي فدينج في برلين. ويُستخدم في الوقت الحالي من قبل ممثلي الإسلام السياسي، وفي الواقع هو المقر الألماني للإخوان المسلمين. وتابع: بالمناسبة فإن جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة محظورة في العديد من الدول الإسلامية، ومن المقلق أيضاً أن ينفق الإخوان الملايين من أجل نشر أفكارهم هنا في ألمانيا.
مصادر تمويل الإخوان المسلمين في ألمانيا
مرَّت السياسة الألمانية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، منذ وصولها إلى ألمانيا عام 1950، بمراحل عدة من التطور. ففي البداية، شاب هذه السياسة عدم فهم كبير للخطر الذي تشكِّله الإسلاموية بشكلٍ عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكلٍ خاص على المجتمع الألماني.
وتسبب هذا الافتقار إلى الفهم واللا مبالاة من جانب صناع السياسة الألمان في توسيع وجود الإخوان المسلمين في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد، قال دبلوماسي ألماني: كان هناك رأي سائد مفاده أن الصراعات بين جماعة الإخوان المسلمين وحكوماتها لا تهم ألمانيا، وأن هذه كانت مشاجرات داخلية. لم يستوعب صانعو السياسات لدينا أهمية الحركة الإسلاموية لأن الدين كان يُعتبر على نطاقٍ واسع عاملًا مهمًا للتخلف، وبدا الإسلامويون متخلفين في حين كان يُنظر إلى الديكتاتوريات في الشرق الأوسط على أنها عناصر تحديثية.
وعي بالمخاطر الإخوان
في السنوات الأخيرة، بدأت الاستخبارات الألمانية تستوعب خطر الإخوان على البلاد، حيث بدأت تحذر دوما في تقاريرها السنوية من مخاطر الإسلام السياسي بكل أطيافه وخاصة الإخوان المسلمين. واتخذت الحكومة الألمانية والاستخبارات الداخلية، إجراءات جديدة للحد من نفوذ وأنشطة الإخوان في هناك. خاصة عندما يكون الحديث عن التمويل ومصادر التمويل الخارجية وواجهات عمل الجماعة، والتي كثيرا ماوصفتها بأنها تمثل تهديدا لأمن ألمانيا. وفيما يلي بعض من تلك المصادر:
إبراهيم الزيات
وزير مالية الإخوان المسلمين هو أحد قيادات الإخوان والمسؤول عن التمويل المالي للجماعة في أوروبا وفي ألمانيا. أكدت الاستخبارات الداخلية الألمانية فضلاً عن عدة تقارير. ويتمتع الزيات بعلاقات قوية بمنظمة “الإغاثة الإسلامية“. الأمر الذي يفسر حجم التمويلات الضخمة التي تتلقاها الجماعة من المنظمة والتي يحوطها مزيد من علامات الاستفهام. غير أن ظهور اسم الزيات يجعل الأمر يبدو منطقياً ومفهوماً. ما دفع المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في 18 سبتمبر 2022 إلى تجريده من جميع مناصبه.
منظمة الإغاثة الإسلامية
صرحت الحكومة الألمانية أن هناك صلات وروابط وثيقة بين منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا وتنظيم الإخوان المسلمين وأوقفت تمويلها. وكتب نائب رئيس البرلمان الأوروبي نيكولا بير إلى المفوضية الأوروبية إنه من غير المقبول أن تتلقى الإغاثة الإسلامية تمويلاً إذا كانت لها صلات بجماعة الإخوان المسلمين. ويجب ألا تقع الأموال الأوروبية في أيدي المنظمات المسؤولة عن معاداة السامية أو أي كراهية أخرى. كما توقفت الولايات المتحدة وهولندا عن تمويل المؤسسة الخيرية وتنفي الإغاثة الإسلامية علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين في 3 أغسطس 2022.
جمعية إنسان
وفي 11 أبريل 2022 طالبت العديد من الأحزاب الألمانية داخل البرلمان الألماني بتجفيف التمويل الألماني لجمعية “إنسان“. الخاضعة لرقابة هيئة حماية الدستور والمدرجة ضمن الجمعيات المقربة من الإخوان. وتلقت الجمعية تمويلاً حكومياً يبلغ نصف مليون يورو في الفترة بين 2010 و2020 و116 ألف يورو من الأموال الحكومية في 2021 كما مولت ولاية برلين مشروعاً للجمعية بمبلغ قدره 165 ألف يورو بين عامي 2020 و2021.
مراكز إخوانية في برلين IKEZ،BFmF ، ZMD
يتمتع أعضاء منظمة إنسان بصلات شخصية مع مركز الثقافة والتعليم الإسلامي في برلين (IKEZ) ، والذي يعتبر وفقاً لتقرير الحماية الدستورية لعام 2017 في برلين مكاناً لاجتماع أنصار حماس في برلين في 9 أبريل 2021. ويتلقى “BFmF” مركز اجتماعات وتدريب النساء المسلمات ومقره في كولونيا أموالاً عامة من مصادر مختلفة ويتم دعمه سياسياً على نطاق واسع، وقال مؤسس “BFmF” أثناء حصوله على جائزة في عام 2011، أن منظمته قريبة من المجلس المركزي للمسلمين أو ” Zentralrat der Muslime ZMD “.
“Europe Trust” الأداة المالية للإخوان المسلمين
تمثل الأداة المالية الرئيسية للإخوان المسلمين في أوروبا ويصنف أعضاء “Europe Trust”في ألمانيا على أنهم من أتباع ما يسمى بـ الطيف الإسلامي – وهي جماعات من الإسلام السياسي تلتزم بالقانون ظاهرياً ولكنها تهدف إلى تأسيس مجتمع مواز من خلال اختراق مؤسسات المجتمع بدلاً من الجهاد لتحقيق أهدافها.
تملك “Europe Trust” هيكلا يشبه المافيا وسط صعوبات في رصد تعاملاتها المالية وتتخذ منظمة من العمل الخيري والتنموي في أوروبا ستاراً لجمع التبرعات وتوفير الموارد لصالح اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا. وتمتلك أصولاً عقارية تزيد قيمتها على 8.5 مليون جنيه إسترليني وترسل إيرادات الإيجار من ممتلكاتها إلى شبكة غير رسمية من المنظمات المرتبطة بالإخوان في جميع أنحاء القارة الأوروبية لا سيما ألمانيا.
التمويل الخارجي تركي–قطري
تمول بعض القوى الإقليمية تنظيم الإخوان المسلمين في ألمانيا عبر تمويل المساجد المرتبطة بالتنظيم، ففي 25 سبتمبر 2022 تم الكشف عن تمويل خارجي مسجد ومركز دار السلام المرتبط بالإخوان المسلمين.
وتتلقى خلايا سرية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تمويلات تركية وتمويلات قطرية عن طريق جمعية قطر الخيرية وغيرها. وتعتبر الاستخبارات الألمانية أنشطة الجماعة المالية هي الأخطر بين جميع المنظمات المتطرفة وبات من المتوقع أن يعمل البرلمان الألماني مع هيئة حماية الدستور للتعامل بأكثر صرامة مع منابع ومصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين.