الجميع يدرك أن الإرهاب في ليبيا وصل إلى نقطة حاسمة لا يمكن بعدها التعامل معه على أساس أنه مشكلة ليبية فقط.
المشتبه فيه الذي ألقت الشرطة البريطانية القبض عليه بعد مقتل ثلاثة، وإصابة ثلاثة آخرين، طعناً بالسكين في منتزه شمال غرب لندن، شاب ليبي، ومفجّر الحفل الغنائي في مانشستر قبل ثلاث سنوات شاب ليبي، والده إرهابي في الجماعة المقاتلة التي يتزعمها الإرهابي الليبي عبدالحكيم بلحاج، ومرشده علي الصلابي، المقيم في تركيا، بعدما كان يعيش في قطر، ويحمل جنسيتها.
وبين الحادثتين هناك اشتباه في ليبيين مرتبطين بجماعات إرهابية على علاقة ب«القاعدة»، و«داعش». ولا غرابة، فقد منحت بريطانيا اللجوء ل«أبوأنس الليبي» الذي شارك في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، قبل أن يعود إلى ليبيا حين تحكمت فيها الميليشيات الإرهابية، ويعتقله الأمريكيون قبل سنوات.
في المدرسة الابتدائية، قبل عقود، كان هناك درس في كتاب القراءة بعنوان «السياحة في ليبيا»، أما منذ عقد من الزمن فلم يعد لدينا سوى «الإرهاب في ليبيا». وزاد الإرهاب في ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي في 2011، لكنه موجود من قبل، وبدعم وتمويل من الدول ذاتها التي تفعل الآن، وبرعاية غربية و«إسرائيلية»، ترى في «الإسلام السياسي» بديلاً لحماية مصالحها.
وبعد انهيار ليبيا، ووصول «الإخوان» إلى حكم مصر في 2013/2012 أصبحت ليبيا بؤرة تجمع لكل الجماعات الإرهابية التي خرجت من عباءة تنظيم «الإخوان». حتى أنها كانت في ذلك الوقت نقطة التجمع لإرهابيي «داعش» من الجزيرة العربية، وشمال إفريقيا، في طريقهم إلى سوريا والعراق، عبر تركيا، وبتمويل قطري. وحين انتهى دور «داعش» في شمال الهلال الخصيب، أعادت تركيا هؤلاء الإرهابيين إلى إفريقيا عبر ليبيا.
ومع رفض قطاع واسع من الليبيين، بدعم مصري وخليجي، لتحويل بلادهم إلى «مزرعة إرهابية»، لم تجد الدول الراعية والممولة سبيلاً سوى التدخل المباشر في ليبيا. وغضت القوى الرئيسية، وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا، الطرف عن ذلك، بل ساهمت بشكل غير مباشر في هيمنة الميليشيات والجماعات الإرهابية على العاصمة الليبية، ومهدت للهيمنة التركية، بالضبط، كما حدث في شمال سوريا، والعراق.
تلك القوى تبحث عن مصالحها، والانتهازي التركي، بأموال القطري، يريد نفوذاً يدعم حكمه، ويغذي أوهاماً أمبراطورية قديمة. ولدى الجميع الوسيلة والأداة المتمثلة في قطعان «الإخوان» وجماعاتهم الإرهابية التي لا يعنيها وطن، ولا أمة، وتقدم الشباب المضلل وقوداً لتحقيق مطامح الأجانب. ولم يعد خطر الإرهاب في ليبيا قاصراً على جوارها المباشر، كمصر، وتونس، والجزائر، وإنما يمتد من الصومال ونيجيريا، إلى بوركينا فاسو ومالي، ومن العراق إلى سيناء، واليمن.
وإذا كانت مصر أعلنت عن قلقها واستعدادها للتدخل لوقف الانتشار الإرهابي من ليبيا، وعلى الفور لقي إعلانها دعماً عربياً، خاصة من دول الخليج الرئيسية، فذلك لأن الجميع يدرك أن الإرهاب في ليبيا وصل نقطة حاسمة لا يمكن بعدها التعامل معه على أساس أنه مشكلة ليبية فقط. وليس الأمر كما يصوره الأفاكون من أتباع الترك و«الإخوان» من أنه تطور نتيجة التدخل العسكري التركي في ليبيا، وحشد الإرهابيين، والمرتزقة فيها، ودعم ميليشيات طرابلس ومصراتة بالعتاد، والسلاح.
احتلت تركيا أردوغان أجزاء من سوريا، وتحاول احتلال أجزاء من شمال العراق، ولم يكن هناك رد فعل عربي للأسف. فما الذي يجعل إقامة قواعد عسكرية في ليبيا أكثر خطورة، ويستدعي تلويحاً بالتدخل العسكري المصري المدعوم خليجياً؟
الفارق ببساطة أن هناك نواة صلبة عربية تتطور منذ سنوات تقاوم الطرح المقبول غربياً، بأن هناك «إرهاباً معتدلاً» تمثله جماعة «الإخوان» ومثيلاتها، و«إرهاب متشدد»، تمثله جماعات مثل «القاعدة» و«داعش»، ومثيلاهما. وقلب تلك النواة مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، ويمكن ضم الأردن، والمغرب، إليها أيضاً. تلك الدول تدرك أكثر، فأكثر أن التساهل مع الإرهاب في أقل صوره يؤدي إلى تفجر أبشع صوره المتمثلة في العنف الوحشي والهمجي، كما حدث في سوريا، والعراق.
وحين تتباين الرؤى في النظر إلى الخطر، وتحديد مداه تصبح الدبلوماسية عاجزة، ولا تعني القواعد الدولية الكثير مع خطر تمثله جماعات، لا دول، لا تأبه أصلاً بأي معايير، أو مواثيق. حتى الدول الراعية والداعمة لتلك الجماعات لا ينفع معها قانون دولي، ولا غيره، ولا أي مفاوضات، أو تسويات.
الإرهاب في ليبيا خطر مباشر على المنطقة، والعالم، ومن يدعمه، ويموله، ويغض الطرف عنه ليس في موقع تتفاوض معه، أو تلجأ للدبلوماسية قبل أن تزيل ذلك الخطر، ويكون التفاوض على ضمان عدم بروزه مجدداً.
عن “الخليج” الإماراتية