الإعلام الحوثي: وسائل تأجيج حدة الحرب باليمن
إثر خطابها المتطرف وتحريضها المستمر على الكراهية والعنف والتعبئة النفسية تغذي وسائل الإعلام الحوثية تأجيج حدة الحرب باليمن.
واعتمد الحوثيون بالخبرات الإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، في توجيه خطاب موحد ومؤطر وممارسة الحرب النفسية المختلفة وبث أساليب التفتيت المجتمعي وتخريب الفكر اليمني.
وتدير مليشيات الحوثي أكثر من 50 وسيلة إعلامية بين قنوات فضائية وصحف وإذاعات محلية.
إضافة إلى عشرات المواقع الإلكترونية الإخبارية بجانب قناة “المسيرة”، المنضوية ضمن “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإيراني” الذراع الدعائية لطهران.
وقد حث أكاديميون إعلاميون، المشاركين في المشاورات اليمنية في الرياض على اغتنام فرصة بناء استراتيجة واسعة لمواجهة خطر الإعلام الحوثي الذي يؤجج الحرب ويبث سموم الطائفية ويمارس عملية غسل الأدمغة الجماهيري.
ويحضر المحور الإعلامي بقوة في مشاورات الرياض بجانب 5 محاور أخرى رئيسية، بمشاركة أكثر من 100 إعلامي منهم مستقلون وآخرون من مكونات سياسية عدة. ويعول على هذا الحدث السياسي الأكبر منذ أعوام، بناء رؤية يمنية موحدة داعمة لإنهاء الانقلاب واستعادة البلد.
غسل دماغ جماهيري
وانطلاقا من الحاجة إلى وسائل الإعلام ووسائطها الجديدة في إشباع رغبات الأفراد، تمكنت إيران من اختراق المجتمع اليمني باكرا لتهيئته كبيئة حاضنة للثقافة الطائفية الحوثية ولضمان مجتمع أكثر ولاء للمليشيات.
وتخطت سيطرة مليشيات الحوثي من وسائل الإعلام إلى الهيمنة المطلقة على شركات ومؤسسات الإنتاج الإعلامي، أبرزها وفق مصادر إعلامية “أفلاك” و”أنس بكت” و”ألوان ميديا” و”الهوية” و”الإمام الهادي” و”فكرة” و”يس ميديا” و”يمن ميديا”، وهذه الأخيرة سيطرت عليها العام الماضي وكانت آخر شركات خاصة عاملة بصنعاء.
واستطاع الحوثيون من خلال هذه الشركات الاستحواذ على ميزة البث الفضائي وتمرير أجندتهم على أوسع نطاق في وكالات وفضائيات عالمية، فضلا عن مهمة مزدوجة لـ”المسيرة” كقناة وشركة بث لوسائل الإعلام المنضوية ضمن “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإيراني” في العراق وسوريا ولبنان وإيران، وفق المصادر.
وبحسب مصادر يمنية فإن ما يعرف بـ”المكتب الجهادي” ورجال الدين لمليشيات الحوثي لجؤوا لاستغلال هذه الشركات الإعلامية في إنتاج الأفلام والمسرحيات والمسلسلات وخارطة برامج متنوعة خاصة في رمضان وتبث على قنواتها وإذاعاتها المحلية وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتمارس وسائل الإعلام الحوثية عملية غسيل دماغ جماهيري، مخطط لها إيرانيا، وتعد هي الأكثر خطورة من خلال جرعات يومية متكررة في أشكال أدبية وثقافية ولوحات فنية كجزء من غزو ثقافي وتضليل إعلامي ودعاية يصل تأثيرها حتى إلى فلاحي القرى النائية.
وتحذر تقارير ودراسات دولية ويمنية من تنامي خطاب الكراهية مؤخرا خاصة على وسائل الإعلام الحوثية التي تروج للدعاية الحربية لما لها من انعكاسات كارثية على المجتمع وأخلاقيات أفراده وعلى المشهد السياسي برمته لتصبح شريكا استراتيجيا في تأجيج حدة الحرب.
تصوير الجرائم مظلومية وانتصارات
كمحصلة للعنف والقمع الذي تمارسه مليشيات الحوثي، تصدر طيلة 8 أعوام من انقلابها على السلطة إعلام الكراهية والتحريض على العنف بهدف إطالة أمد الحرب لخدمة الأجندة الإيرانية.
ويرى أستاذ الصحافة والإعلام في جامعتي الحديدة وتعز الدكتور منصور القدسي أن خطورة الخطاب المتطرف المروج للكراهية تكمن في كونه يحول دون تعافي المجتمع اليمني لدى أي جهود سلام سيما تكريس القناعات التي تنسف مبدأ التعايش لدى اتباع الحوثي.
ويقول الأكاديمي اليمني لـ”العين الإخبارية”، إن ” اختطاف العقول وإدارة الحرب النفسية والترويج للإشاعات لشيطنة الخصوم وإرهاب الداخل من خلال غسل الأدمغة، تعد من أهم الأولويات بالنسبة للإعلام الحوثي للإبقاء على سيطرة المليشيات على اليمن أرضا وإنسانا”.
ويأتي التضليل الإعلامي والتعبئة بدوافع دينية وجهوية كأبرز وسيلة للمليشيات الحوثية لرفع معنويات مقاتليها وأتباعها وتوجيه وتوحيد جبهتها الداخلية والعسكرية، وتشويه صورة المناهضين لها في معسكر الشرعية ودول التحالف بقيادة السعودية، وفقا للقدسي.
وأوضح أن مليشيات الحوثي أحكمت سيطرتها على الفضاء الإعلامي اليمني من خلال توجيهات وصناعة إيرانية تقوم بتوجيه عشرات الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية لبث أفكارهم وخدمة مشاريعها الظلامية.
كما توجد كتائب إلكترونية تابعة للمليشيات ويديرها جيش إلكتروني في إيران لتهيئة العقول لتقبل السياسة الإيرانية بالمنطقة، ولعل الشائعة التي أطلقت مؤخرا حول تقاضي كل مشارك في مشاورات الرياض 200 ألف ريال سعودي أحدث دليل على ذلك، طبقا للأكاديمي اليمني.
ونبه إلى أن الإعلام الحوثي يلعب دوراً مهماً في حشد الرأي العام داخل المجتمع اليمني وفي الخارج، ويرتكز على خلق حالة من الترهيب ويتخفى تحت شعارات وطنية لتنفيذ مشروعه المدمر وتبرير قبضة الحديد والنار وطمس وإخفاء انتهاكات المليشيات وتصوير جرائمها بحق اليمنيين أنها “مظلومية أو انتصارات”.
وأضاف: “في المقابل تعاني الجبهة الإعلامية المناهضة للحوثي من تشتت وتفكك وتعدد المراكز الإعلامية، التي تعمل دون خطة موحدة واستراتيجية مشتركة نحو خدمة القضية الوطنية الجامعة وكشف مخاطر المشروع الحوثي الهادف لتمزيق النسيج الاجتماعي ومحو الهوية العربية للمجتمع اليمني لخدمة أجندة إيران الطائفية”.
وأشار إلى أن خطورة إعلام الحوثي يتجاوز خطر استخدام النازيين للدعاية والحرب النفسية ويصل إلى إحداث نوع من الشلل الفكري في أدمغة المواطنين اليمنيين، فيما تنشغل المكونات المناهضة للمليشيات بتوجيه خطاب يعزز التناحر وزرع الفتنة وإذكاء الصراعات في أوساطها.
أولويات ملحة
أكاديميون بارزون في مناطق سيطرة الحوثي تحدثوا لـ”العين الإخبارية” عن الأولويات الملحة لمواجهة خطاب إعلام المليشيات الانقلابية والتي تمارس تعبئة ثقافية لمحو وتلغيم الهوية اليمنية وتشويه دول الجوار، تزامنا مع مباحثات الإعلام في مشاورات الرياض.
وحث الأكاديميون الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وحلفاءها على التحرك والضغط لتحييد وسائل الإعلام الحوثية التي تبث من صنعاء والضاحية الجنوبية ببيروت، وحجب حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار موقع “تويتر” لدى تعطيله مؤخرا حساب المركز الإعلامي للحوثيين.
وأوصوا المشاركين في مشاورات الرياض ببناء خطة طوارئ لتوحيد خطاب وسائل الإعلام المناهضة للحوثيين والعمل على رصد وتحليل أساليب تضليل الخطاب الإعلامي للمليشيات وكشف مخاطر تحريضها على النسيج الاجتماعي بالداخل وتخريب متانة علاقات اليمن الأخوية مع دول الجوار لخدمة أجندة إيران.
وأكدوا أهمية جمع الأدلة الكافية من الفضائيات الحوثية التي تروج لتجنيد الأطفال لإغلاقها ومحاكمة المسؤولين عنها أو تلك التي تبث سموم الفكر الإيراني الرامية في تحويل القبيلة اليمنية من مكون اجتماعي قابل للتعايش إلى لغم طائفي يفخخ اليمن لصالح مشروع طهران.
وشددوا على ضرورة تطوير آليات الإعلام الحربي المضاد للحوثيين لتحطيم صورة “المقاتل الذي لا يقهر” الذي يرسمه إعلام المليشيات وإيران، ضمن خطاب إعلامي موحد ينشد السلام ويكشف تعنت وإصرار الحوثي على تحويل اليمن منصة تهديد لمشروع إيران بالمنطقة.