الإفراج عن “طلحة”… تناقض مصري يفتح أبواب الفوضى في السودان

بين الخطاب السياسي المصري الذي لا يترك فرصة إلا ويؤكد فيها عداءه لجماعة الإخوان المسلمين، وبين الممارسات العملية التي قد تمنح الجماعة والفصائل الموالية لها غطاءً سياسياً أو إنسانياً، يظهر تناقض صارخ لا يمكن تجاهله.
قضية الإفراج عن القائد العسكري طلحة، المتهم بارتكاب جرائم حرب في السودان، تكشف خيوط هذا التناقض وتطرح أسئلة خطيرة حول مستقبل الاستقرار الإقليمي.
من هو طلحة؟
طلحة ليس اسماً عادياً في الساحة السودانية. هو أحد القادة الميدانيين الذين ارتبط اسمهم بوحدات عسكرية تورطت في جرائم ضد المدنيين في دارفور ومناطق أخرى. تقارير حقوقية محلية ودولية وثّقت انتهاكات مروعة ارتبطت بالوحدة التي قادها:
-
قتل عشوائي طال قرى كاملة.
-
تهجير قسري لآلاف الأسر.
-
حالات اغتصاب جماعي سجلتها منظمات إنسانية.
ورغم هذا السجل المظلم، تم الإفراج عنه مؤخراً في خطوة تثير كثيراً من الجدل.
التناقض المصري: خطاب ضد الإخوان وسلوك يمنحهم متنفساً
القاهرة تعلن باستمرار أن جماعة الإخوان هي الخطر الأكبر على أمنها القومي، وأنها لن تسمح بعودة نفوذها. لكن الإفراج عن شخصية عسكرية ذات ولاء واضح للإخوان يثير تساؤلات:
-
هل هناك صفقات سياسية غير معلنة وراء هذا القرار؟
-
أم أن ضغوطاً إقليمية دفعت إلى تغليب الحسابات الأمنية على العدالة؟
هذا التناقض يضعف الثقة في الخطاب الرسمي المصري، ويمنح الإخوان ورقة جديدة لتوسيع نفوذهم عبر واجهات عسكرية أو إنسانية.
تهديد للأمن الإقليمي واستقرار السودان
وجود شخصية مثل طلحة، حرة الحركة أو محمية بغطاء سياسي، لا يشكل خطراً على السودان فقط، بل على المنطقة بأكملها.
-
السودان يعيش مرحلة هشاشة سياسية وعسكرية غير مسبوقة.
-
الجماعات الموالية للإخوان تسعى إلى ملء الفراغ في مؤسسات الدولة.
-
أي دعم أو تساهل مع قيادات عسكرية متورطة يعزز احتمالات تمدد هذه الجماعات نحو دول الجوار.
الصمت الرسمي… غموض يزيد الشكوك
ما يفاقم الأزمة هو غياب التوضيحات الرسمية المصرية.
-
لماذا تم توقيف طلحة في البداية؟
-
ما الأسباب التي دفعت إلى الإفراج عنه؟
-
هل جرت تسويات أو ضغوط إقليمية؟
هذا الغموض يفتح الباب أمام تفسيرات عدة، ويضعف ثقة الرأي العام في جدية القاهرة بمواجهة التنظيمات المسلحة.
الإفلات من العقاب… خطر يتجاوز السودان
الإفراج عن طلحة لا يتعلق بشخص واحد، بل يخلق سابقة خطيرة. إذا كان من ارتكب جرائم ضد الإنسانية يمكن أن يفلت من العقاب لأسباب سياسية، فما الذي يمنع قادة آخرين من تكرار الانتهاكات؟
هذا الواقع يهدد بتقويض جهود المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، ويمنح رسالة خاطئة للفصائل المسلحة: “ارتكبوا ما شئتم، فهناك دائماً مخرج”.
دعوة للمجتمع الدولي
الوقائع تؤكد أن ترك هذه القضايا في يد الصفقات السياسية يعني مزيداً من الفوضى. لذلك:
-
يجب على المجتمع الدولي مراقبة ممارسات الفصائل المتورطة في النزاعات.
-
تفعيل آليات العدالة الدولية لضمان محاسبة كل من تورط في جرائم حرب.
-
الضغط على الأطراف الإقليمية لوقف أي تسهيلات تمنح للإخوان عبر حلفائهم العسكريين.
قضية طلحة ليست حادثة عابرة، بل جرس إنذار يسلط الضوء على التناقض بين الخطاب والممارسة. فبينما تعلن مصر حرباً مفتوحة ضد الإخوان، تفتح بعض ممارساتها المجال أمام الجماعة لاستعادة حضورها عبر بوابات غير مباشرة.
والمحصلة: استقرار السودان والإقليم على المحك، والمجتمع الدولي مطالب بالتحرك قبل فوات الأوان.