اخترنا لكم

التحرك التركي الناعم في قارة أفريقيا

محمد نافع


في الآونة الأخيرة كثفت الأنشطة التركية من تركيزها على القارة الأفريقية، هذه المرة في دولة مالي غرب القارة الأفريقية.

 إذ منذ الانقلاب الذي تم في شهر أغسطس الماضي زار وزير خارجية تركيا قادة المجلس العسكري هناك؛ تأكيداً على نية تركيا في التوسع أكثر في قارة أفريقيا.

و ذكر موقع “مورديك مونيتور” أن تركيا تنشط عبر ماتسميه جمعيات ومنظمات “إغاثية” وتقوم بتقديم “معونات وإنشاء مدارس” من أجل كسب شعبية أكبر وزيادة توغل أكثر في مالي، هذا الأسلوب الجديد نفسه سبق أن قامت به تركيا في الصومال، حيث توسعت أنشطتها هناك وأيضًا كانت على شكل مساعدات وهِبات.

تركيا حاليًّا تركز على القارة الأفريقية، وذلك عبر طريقين:

أولاً عبر تدخلها العسكري في ليبيا وإرسالها آلاف المقاتلين والمرتزقة إليها؛ لدعم حكومة الوفاق وجعْلِ ليبيا قاعدة عسكرية للتمدد أكثر في مشروعها؛ من أجل التوسع في نفوذها بالقارة الأفريقية.

 ثانياً تعمل تركيا على زيادة نفوذها وتواجدها في القارة الأفريقية عبر استخدام “الجمعيات والمنظمات الخيرية”، و ادعائها بتقديم معونات، في عدة دول أفريقية، كما حدث سابقاً في الصومال ويحدث الآن في مالي، وربما نسمع عن دول أخرى أفريقية تتعامل معها تركيا بنفس الأسلوب.

الأطماع التركية التي يقودها أردوغان شخصيًّا في القارة الأفريقية باتت واضحة للعيان أكثر من أي وقت مضى؛ فنجده يركز على دول إسلامية تشهد نزاعات وفوضى في القارة الأفريقية، ليحاول إيجاد نفوذ كبير بها، والذي لن يتوقف عند ليبيا أو الصومال أو مالي، بل إن الأطماع التركية ترغب في خلق نفوذ كبير لها في دول أخرى بالقارة الأفريقية.

 ما سبب تركيز تركيا على قارة أفريقيا؟

 سبب تركيز تركيا على قارة أفريقيا يكمن في الجانبين: السياسي والاقتصادي:

سياسيًّا، يحاول أردوغان كسب نفوذ كبير في عدة دول أفريقية من عمل أشبه بحِلف من مجموعة دول إسلامية في أفريقيا، يكون داعماً له؛ إذ إن أحلام أردوغان التوسعية لا نهاية لها، وسبق أن قالها في بعض خطاباته عن حلمه في عودة نفوذ السلاطين البائدة.

اقتصاديًّا، وهذا لا يقل أهمية عن الشق السياسي، ينظر أردوغان في كسب نفوذ كبير بالقارة الأفريقية، خاصة تملُّك ثروات من النفط والغاز والمعادن مثل الذهب وغيره، لذلك ركز بشكل كبير في إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في ليبيا؛ كي تكون مركزاً ودعماً لوجستيًّا للتغلغل في دول أخرى مجاورة من ليبيا، هناك رغبة قوية من قبل تركيا في كسب القارة الأفريقية كي تكسب سوقًا مهمة جدًّا، لترويجِ البضائع التركية في دول القارة والتي متوسط مداخيل الأفراد الضعيفة بها يتناسب مع رخص البضائع التركية.

كل ذلك ليزداد نمو الاقتصاد التركي الذي يعيش ضعفاً عامًّا، ولمنع انهيار عملته، وارتفاع العجز التجاري والصناعي لأرقام خطيرة، ناهيك عن ارتفاع البطالة وإفلاس آلاف الشركات والمصانع، من هنا نجد أن أردوغان يحاول طمس فشله الكبير في قيادة دفة اقتصاد تركيا عبر التغلغل وزيادة نفوذه في أفريقيا لتغطية فشله وتحسين شعبيته التي تقلصت بشكل كبير، بعد ما تعرض له الاقتصاد التركي من أزمة خانقة لم تنتهِ حتى الآن.

إن ما يفعله أردوغان في سياسته الخارجية يقوم بنسخ التجربة الإيرانية بحذافيرها، حيث جُلُّ تركيز إيران يذهب إلى دعم أذرع في عدة دول عربية على حساب قوت الشعب الإيراني، والاقتصاد الإيراني يعيش أسوأ مراحله على الإطلاق وارتفاع معدلات الفقر والتضخم، وانهيار العملة الإيرانية ناهيك عن ارتفاع البطالة بشكل مخيف.

ليتكرر المشهد تماماً بتقليد أردوغان سياسةَ إيران عبر إرسال قواتٍ، وعمل قاعدة عسكرية في ليبيا، ورغبته بالتغلغل أكثر في عدة دول أفريقية، وفتح قواعد عسكرية لكسب نفوذ في تلك الدول؛ كي تكون تابعة له، مع تقديم الأموال وكامل الدعم لدول فقيرة، في الوقت الذي تعيش فيه تركيا ضعفاً اقتصاديًّا وارتفاعاً في معدلات الفقر، وكذلك عقوبات اقتصادية كان سببها سياسة أردوغان التوسعية!

إن الأيديولوجيا التي تقوم بها تركيا حاليًّا بنسخ مشروع طهران نفسه لن تكسب تركيا إلا مزيداً من المشاكل، والضعف الاقتصادي، والعقوبات الاقتصادية، وكذلك زيادة عزلتها عن العالم، والتي يدفع ثمنها الشعب التركي وقبله الشعب الإيراني الذي ذاق الأمرَّين ممن يقود بلدانهم التي تملك من الخيارات والكنوز ما يجعلها من أغنى دول المنطقة، لكن أطماع من يقود هذه الدول جعلها تخسر ثرواتها ولن تنجح في أطماعها.

زر الذهاب إلى الأعلى