التهديد مستمر.. إيران تعرقل عمل الأقمار الصناعية بعد الحرب مع تل أبيب

لا تزال إيران تقوم بالتشويش على على نظام تحديد المواقع “جي بي إس” رغم مرور أسابيع على انتهاء الحرب مع إسرائيل والتي شنت فيها الدولة العبرية هجمات على العديد من المواقع العسكرية والمدنية الإيرانية.
بعد أسابيع من انتهاء حرب الـ 12 يوما بين إسرائيل وإيران، ما زال سائق سيارة الأجرة الإيراني فرشاد فولادي يجد صعوبة بالغة في التحرّك داخل المدينة، بسبب التشويش المستمر على نظام تحديد المواقع “جي بي إس” وعدم انتظام الإنترنت.
وعمدت السلطات الإيرانية، منذ شنّت إسرائيل حربا غير مسبوقة عليها في 13 يونيو/حزيران، إلى تشويش خدمات الملاحة وتحديد المواقع. وتقول وزارة الاتصالات إنه يحصل “لاعتبارات أمنية وعسكرية”، فيما أكدت الحكومة عودة الخدمات بشكل تدريجي بعد الحرب، فيما عدا نظام “جي بي إس”.
ويقول فولادي البالغ 35 عاما ويعمل مع تطبيق “سناب” لسيارات الأجرة، “لا أستطيع العمل منذ أسابيع لأن الكثير من الوقت يضيع وأنا تائه في الشوارع لا أجد طريقي”. ويضيف “لتتمكن من التحرك، ينبغي أن يكون لديك ذاكرة قوية أو أن تعرف الطرق جيدا”.
لا أستطيع العمل منذ أسابيع
وتعاني تطبيقات سيارات الأجرة وتوصيل الطلبات وتطبيق تحديد المواقع الإيراني “نشان” على حد سواء من التشويش على خدمات “جي بي إس”، حتى أصبح الناس، وبالأخص في العاصمة طهران، يجدون موقعهم على خريطة التطبيق على بعد مئات الكيلومترات من موقعهم الحقيقي.
وهكذا تحولت طهران لمتاهة من الطرق المتداخلة بالنسبة لفولادي الذي انتقل إليها من إقليم لرستان في غرب إيران. فأصبح يأخذ “فقط الركاب الذين يعرفون طريقهم” ما أدى إلى “انخفاض دخلي بشكل كبير”.
وتشوّش طهران أنظمة “جي بي إس” حول المواقع العسكرية والحساسة منذ سنوات، ولكن الإجراءات الأخيرة تعد من الأطول والأوسع تأثيرا. ولم تعلن الحكومة المدى الزمني لتلك الإجراءات فيما يظل حجم تأثيرها على الاقتصاد الإيراني غير واضح.
وأكد المدير التنفيذي لتطبيق “نشان” لتحديد المواقع جواد أمل، أن تزييف إشارات تحديد المواقع مستمر منذ سنوات لا سيما في طهران. وقال في مقابلة مع وسائل إعلام إيرانية إن المعدل اليومي للمستخدمين النشطين “انخفض بنسبة 15 بالمئة بينما انخفض نشاط الملاحة على التطبيق بنسبة 20 بالمئة”.
وحذرت تقارير في وسائل إعلام محلية من أن تلك الإجراءات قد تعود بالضرر على الاقتصاد الرقمي والسلامة العامة بما فيها خدمات الطوارئ.
ويتعرض الاقتصاد الإيراني لضغوط بسبب عقوبات أميركية واسعة النطاق على خلفية برنامج إيران النووي، فاقمت التضخم وتسببت في ارتفاع الأسعار.
وحذر وزير الاتصالات الإيراني السابق محمد جواد عزاري جهرومي من أن ثمن التشويش على إشارات “جي بي إس” سيكون “باهظا” في مقابل نتائج دفاعية محدودة.
وقال جهرومي عبر حسابه على تلغرام “مصنّعو ومشغّلو المسيرات ليسوا أغبياء. ففي حال تم تعطيل جي بي إس واستبداله بنظام تحديد مواقع آخر، سيقومون باستخدامه”.
ويتحدث نائب وزير الاتصالات الإيراني احسان تساز، عن خيارات بديلة لنظام جي بي إس منها نظام بيدو الصيني.
ويوجد عدد من أنظمة الملاحة في العالم، إلا أن نظام “جي بي إس” يتم تشغيله بواسطة الجيش الأميركي في حين يمتلك الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا أنظمة أخرى.
وقال تساز في مقابلة مع صحيفة “هم ميهن” المحلية في يوليو/تموز إن طهران تدرس “برنامجا لانتقال خدمات تحديد المواقع في مجالات النقل والزراعة.. بشكل تدريجي من جي بي إس إلى بيدو”.
وانتهت الصين من تفعيل نظام الملاحة بالأقمار الصناعية “بيدو” عام 2020، وتقدمه كمنافس عالمي لـ جي بي إس الأميركي اعتمادا على قدراته الدقيقة في تحديد المواقع.
وأشار تساز إلى أن التشويش على الاتصالات في إيران، بالإضافة إلى سنوات من مراقبة الإنترنت، أضرت بالاقتصاد وتسببت في “انعدام الثقة واليأس الاجتماعي”. ولكن بعض الخبراء يحذرون من أن استبدال نظام جي بي إس سيكون عملية معقدة.
وقال أمير رشيدي مدير الأمن والحقوق الرقمية بمجموعة “ميان”، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، إن استبدال نظام جي بي إس “سيتطلب تغييرات شاملة ومعقدة في البنية التحتية”، مشيرا إلى وضع إيران “الهش” رقميا.
وتعمّق هذه الاضطرابات مخاوف الإيرانيين من تعميق الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بفعل سنوات من العقوبات الاقتصادية، لا سيما مع تعثّر المفاوضات النووية مع واشنطن، وتداعيات الحرب الأخيرة.
وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية كان قد تم رفعها مقابل قيود على برنامج إيران النووي.
ويتحسّب الكثير من الإيرانيين من تجدّد المواجهات مع إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تهددان بهجمات جديدة في حال استأنفت إيران برنامجها النووي المتوقف منذ الحرب.
ويقول محمد حسين غنباري، سائق أجرة على تطبيق “سناب” يبلغ 32 عاما، “كل شيء غير مؤكد. لا يمكننا وضع أي خطط. المستقبل غير واضح”. ويضيف “نحن لا نعرف إذا ما كانت الحرب ستبدأ مجددا أو ماذا سيحدث في المستقبل”.