الجيش السوداني واستخدام الأسلحة الكيميائية: انتهاكات الحرب الأخيرة وأثرها الإنساني
في إطار الحرب المستمرة في السودان منذ عدة سنوات، شهدت الأوضاع العسكرية تصاعدًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، حيث استخدم الجيش السوداني أسلحة فتاكة من بينها الأسلحة الكيميائية. هذه الأسلحة قد استخدمت في عدة معارك وصراعات ضد المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة، مع تأثيرات مدمرة على المدنيين والمجتمعات المحلية.
الأسلحة الكيميائية
الأسلحة الكيميائية هي مواد سامة تستخدم لتدمير العدو أو إضعاف قدراته القتالية، وهي تشمل الغازات السامة مثل غاز السارين، غاز الخردل، وغاز التابون، بالإضافة إلى المركبات الكيميائية التي تسبب تآكل الأنسجة البشرية والتسمم. معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية (CWC) تمنع استخدام هذه الأسلحة، إلا أن تقارير عديدة تشير إلى استخدامها في النزاعات المسلحة في السودان، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول الالتزام بالقوانين الدولية.
استخدام الجيش الأسلحة الكيميائية في الحرب الأخيرة
في الحرب الأخيرة التي اندلعت في السودان، استخدم الجيش السوداني الأسلحة الكيميائية في بعض المناطق التي كانت تشهد قتالاً عنيفًا، خصوصًا في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. الهجمات الكيميائية تركزت في المناطق التي يعتقد أن القوات المتمردة أو الجماعات المعارضة تمركزت فيها، وفي بعضها استهدفت المناطق السكنية المكتظة بالمدنيين.
تقارير الهجمات:
- في منطقة دارفور: في عام 2023، أفادت تقارير دولية وحقوقية باستخدام الجيش السوداني للغازات السامة ضد المدنيين والمتمردين في دارفور. واحدة من أبرز الحوادث التي تم توثيقها في مايو 2023 كانت في مدينة “كاس”، حيث أفادت الشهادات بأن القوات الجوية السودانية قامت بقصف منطقة تحتوي على تجمعات سكانية، مما أدى إلى ظهور أعراض مشابهة لتلك التي تسببها الغازات السامة. هذه الهجمات أسفرت عن إصابة ما يقرب من 200 شخص، بينهم 40 حالة وفاة نتيجة لتسمم الغازات.
- في جنوب كردفان: في سبتمبر 2023، تم توثيق هجوم كيميائي آخر في منطقة “كادقلي”، حيث استهدفت قوات الجيش السوداني مناطق تخضع لسيطرة القوات المتمردة. الهجوم خلف مئات الجرحى، وتم تشخيص العديد من الضحايا على أنهم تعرضوا لغازات سامة تسببت في مشاكل تنفسية حادة وحروق في الجلد. حسب تقارير منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش”، تم التأكيد على استخدام مواد كيميائية في هذا الهجوم.
الضحايا والتأثيرات
بينما يصعب الحصول على أرقام دقيقة بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة، تشير التقارير الدولية إلى أن الاستخدام المكثف للأسلحة الكيميائية أسفر عن العديد من الإصابات والوفيات.
- الضحايا: حسب تقرير لمنظمة “العفو الدولية”، تم تسجيل ما يقارب 500 حالة إصابة في الهجمات الكيميائية التي وقعت بين 2023 و2024. معظم الإصابات كانت بين المدنيين، حيث كانت الأعراض تتراوح بين صعوبة في التنفس، حروق شديدة، وإصابات داخلية نتيجة للتسمم الكيميائي.
- الوفيات: فيما يتعلق بالوفيات، تشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن 100 شخص لقوا حتفهم بسبب التأثيرات السامة التي خلفتها الهجمات. هذه الحصيلة تمثل فقط الحالات التي تم توثيقها بشكل مبدئي، ومن المحتمل أن تكون الأرقام الفعلية أعلى نظرًا للظروف الصعبة التي يواجهها الناجون في الوصول إلى الرعاية الطبية.
الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية
هناك العديد من الأدلة التي تؤكد استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية، بما في ذلك عينات من التربة والهواء التي تم فحصها من قبل خبراء دوليين، فضلاً عن شهادات الضحايا والناجين الذين تعرضوا لتأثيرات سامة مشابهة لتلك التي تسبّبها الغازات الكيميائية.
- الفحوصات الميدانية: قام فريق من الخبراء الدوليين بفحص عينات من مناطق الهجوم في دارفور وجنوب كردفان، ووجدوا آثارًا لمواد سامة على الأرض وفي الهواء، بما في ذلك آثار غاز السارين.
- الشهادات: أظهرت الشهادات الميدانية من الضحايا في هذه المناطق أن العديد منهم أظهروا أعراضًا من التسمم الكيميائي، مثل تهيج العينين وصعوبة التنفس، وهي علامات تتفق مع آثار الأسلحة الكيميائية.
ردود الفعل الدولية
في أعقاب هذه الهجمات، لاقت الحكومة السودانية إدانة شديدة من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. ومع ذلك، تواصل الحكومة السودانية نفي استخدامها للأسلحة الكيميائية، وتؤكد أن الهجمات كانت جزءًا من العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة التي تهدد استقرار البلاد.
من ناحية أخرى، دعت عدة دول ومنظمات دولية إلى فتح تحقيق مستقل للوقوف على حقيقة استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أن العوائق السياسية واللوجستية أدت إلى صعوبة تحقيق نتائج ملموسة. ووفقًا لبعض الخبراء، فإن غياب الضغط الدولي القوي قد يساهم في استمرار هذه الانتهاكات.
إن استعمال الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية في الحرب الأخيرة يمثل انتهاكًا صارخًا للمعاهدات الدولية والقوانين الإنسانية. رغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة حول حجم الخسائر البشرية والتأثيرات طويلة الأمد على الضحايا، فإن الأدلة تشير إلى أن هذه الأسلحة قد تسببت في مآسٍ إنسانية كبيرة. من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات، يظل المجتمع الدولي مطالبًا بالتحرك بسرعة لإجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم ضد الإنسانية.