يجمع الكثير من المراقبين للمشهد السياسي والأمني المعقد في ليبيا على أن المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني وليامز.
صنعت ما عجز عنه الآخرون، وحققت قفزة نوعية فيما يخص الحل السياسي الشامل داخل هذا البلد، لم يستطع المبعوثون الدوليون قبلها الوصول إلى ربعها.
ففكرة ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، وآلية الانتخابات لمجلس رئاسي جديد ورئيس حكومة كذلك، فكرة مهمة تمت ترجمتها على أرض الواقع، بعد نيل حكومة الدبيبة الثقة من قبل أعضاء مجلس النواب الليبي المنتخب، والذي انعقد لأول مرة في تاريخه بكامل أعضائه داخل مدينة سرت الاستراتيجية.
ولو أراد المرء إسقاط هذه التجربة الأممية في ليبيا على المشهد السوري، فإن أوجه الشبه بين حالتي البلدين العربيين كبيرة، والشواهد التي من المفترض التوقف عندها، تدعم أولوية البحث عن مسار شبيه، يجبر الحكومة في دمشق والمعارضة السورية في الداخل والخارج على الانصياع للإرادة الدولية الباحثة عن حل حقيقي ينهي الصراع بين الفرقاء.
فجيوش عدد من الدول توجد في سوريا منذ سنوات، والمليشيات المدعومة إيرانياً والمدعومة تركياً، تضع العراقيل – وأي عراقيل – في وجه أي باحث عن انفراجة ولو جزئية داخل مفردات حرب أتت على الأخضر واليابس، وجعلت السوريين يتضورون جوعاً، ويبحثون عن لقمة العيش فلا يجدونها، مع أنه لا ذنب لهم أبداً، فهم الحلقة الأضعف في خلافات الدول المؤثرة، والسلطات الشكلية التابعة لهذه الدول بسوريا.
والسؤال المشروع: لماذا لا يقارب النرويجي جير بيدرسون المسألة السورية من بوابة التفاؤل الليبي؟ وهو المبعوث الدولي المعتمد في سوريا، وهو أيضاً صاحب الموقف الشهير قبل مدة أمام الصحفيين وأمام جلسة مجلس الأمن الدولي، بأن ما يجري ضمن عمل لجنة الدستور السورية وهيئة المفاوضات مخيب للآمال، وأن الحل السياسي بهذه الطريقة بعيد المنال.
ولا ضرر أن تتسع خيارات الأمم المتحدة في سوريا، وتشرع باختيار شخصيات سورية محايدة من الحكومة والمعارضة، تشكل في مجملها ملتقى الحوار السياسي السوري، وتنتخب هذه الشخصيات بدورها سلطة انتقالية، تقود البلد لأشهر معدودة، نحو مهمة إنهاء الحرب وتوحيد البلاد وطرد المليشيات وتهيئة الأرضية لانتخابات رئاسية وبرلمانية.
والظروف قد تكون نظرياً صعبة، لكن التبني الأممي لهذه العملية السياسية المباشرة، سيوفر في النهاية غطاءً شرعياً لسلطة محتملة، وستعمد الأطراف المتقاتلة وقتها إلى تنفيذ ذلك، لأن الإرادة الشعبية السلمية ستصبح – بدون شك – ظهيراً يساند الدور الأممي ويدعمه بكل ما يستطيع.
ومؤخراً، أعلن وزيرا الخارجية السعودي والإماراتي، خلال جلسات مباحثات مهمة عقداها مع وزير خارجية روسيا لافروف الذي زار البلدين، أن الحل السياسي مهم في سوريا، وأن هذا البلد المنكوب بكل معنى الكلمة، يجب أن يعود إلى الحضن العربي، موحداً وقادراً على إعمار ما دمرته تلك الحرب الطويلة بين أبنائه.
وبالعودة إلى ملف التدخل الأممي، يتوجب الأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع السوري، وعدم نضوج رؤية أمريكية شاملة حتى اللحظة، ويقابل ذلك الأجندة التوسعية لبعض الدول ذات التدخل السلبي في سوريا كما ذكرنا، لكن بمجرد تحريك المياه الراكدة تفاوضياً وبهذه القضية تحديداً، سيشعر الجميع بمدى فاعلية الدور الأممي في سوريا، لا سيما وأنه نجح حتى اللحظة في ليبيا أو يكاد ينجح حتى يكون المرء منصفاً.