اخترنا لكم

الرسائل المُسَيَّرة


هزيلة جاءت ردود فعل المحور الإيراني ومرتزقته على رسالة الطائرات المُسَيَّرَة الفاشلة والمستهدِفة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

هزيلة وركيكة وواضحة في متنها خيبة الأمل بعد الفشل.

تدل عليها سخرية المتحدث باسم كتائب “حزب الله”، أبو علي العسكري، الذي اعتبر أن “ممارسة دور الضحية أصبح من الأساليب البالية التي أكل الدهر عليها وشرب”. وأن “لا أحد في العراق لديه الرغبة بخسارة طائرة مُسَيَّرَة على منزل رئيس وزراء سابق”.

وتدل عليها تغريدة أمين عام كتائب “سيد الشهداء”، أبو آلاء الولائي، عبر حسابه على تويتر، وتهديده للكاظمي بما يؤشر إلى “قبعه” من الحياة السياسية.

ولا تخرج عصائب أهل الحق عن السياق مع تصنيفها مهاجمة منزل الكاظمي بالـ”مفتعلة”، و”محاولة لخلط الأوراق”، على ما قال زعيمها قيس الخزعلي، مشككا بحصول محاولة الاغتيال.

وتأتي الإدانة الإيرانية للرسائل المُسَيَّرة، وتوجيه اللوم إلى الولايات المتحدة وأهدافها الإقليمية “من خلال إنشاء جماعات إرهابية تسعى إلى إثارة الفتنة”، وكأنها تغسل يديها من مرتزقتها في العراق، فتُصْدِر مواقف متناقضة مع مواقفهم، وتحث على “اليقظة” لإحباط المؤامرات التي تستهدف “أمن العراق وتطوره”، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة.

ومخيفة أيضا ردود الفعل هذه، وكأن من أصدرها يستلحق نفسه في ربع الساعة الأخير، فيرفع منسوب إجرامه في محاولة لكبح مرحلة العد العكسي لأمجاده، مع انكسار هيبته وتراجع سطوته.

وفعل الإستلحاق في محاولة اغتيال الكاظمي يسير على خطين: الأول داخلي يتعلق برفض بناء دولة طبيعية في إحدى الدول الأربع المصادرة سيادتها، والثاني خارجي يتعلق برفض إيران وضع توسعها الإقليمي على طاولة المفاوضات في فيينا.

وعلى الخط الداخلي، تأتي الرسائل بالطائرات المُسَيَّرَة تتويجا للجهود التي تلت الانتخابات النيابية لإلغاء مفعولها، وأبرزها تلاعب إيران بالمكون السني من خلال توزيع أدوار، بحيث يؤيد فريق من مرتزقتها توجه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لتولي رئاسة الجمهورية، ليحرض فريق آخر الأكراد لجهة حقهم في إبقاء الرئاسة من حصتهم.

وكذلك تحميل الانتخابات مسؤولية تدحرج الوضع العراقي نحو تدهور أمني سريع، ورفض نتائجها بعنف في التحركات التي شهدها محيط المنطقة الخضراء وصولا إلى إراقة الدماء بهدف قلب المعادلات وتحميل الكاظمي مسؤولية الأرواح التي سقطت، تماما كما حصل في لبنان مع الاشتباكات على خلفية “قبع” القاضي طارق البيطار المكلف في التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت.

ومن ثم تصوير فشل مرتزقة إيران في هذه الانتخابات “الملتبسة والمثيرة للجدل” مؤامرة تهدف إلى تعميق الانقسامات الحادة بين العراقيين. وهي ستؤدي حتما إلى الانسداد السياسي، وتسمح بنفاذ القوى الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، إلى الداخل العراقي. وعلامات هذا التدخل تترجمه نزعةٌ للاستغناء عن الحكومات التوافقية والتوجه نحو حكومات الأغلبية.

وبالطبع لا مصلحة لإيران في ذلك. فالحكومة إذا تشكلت بائتلاف مطلق يقوده الكاظمي كواجهة والصدريون وحلفاؤهم كعمود فقري، ربما تفتح معركة فساد كبرى ضد شخصيات سياسية موالية لإيران تسلمت مناصب مهمة، وملفات هذه المعركة حاضرة.

كذلك لا مصلحة لها باستمرار عمل الحكومة العراقية على التوازن الخارجي الاقليمي وإبعاد العراق عن وظيفة صندوق البريد، بالتزامن مع جهود في الداخل لإنجاز تغيير تدريجي للمؤسسات العسكرية والامنية لمصلحة مشروع الدولة لا الدويلات. وهو التغيير الذي بدأ خجولا وينتظر ان يتسرع إذا شكلت الحكومة الجديدة.

وهذا غيض من فيض ما يمكن اعتباره مبررات جوهرية لشطب الكاظمي من الساحة السياسية، بعدما تجاوز الخطوط الحمر بالسعي إلى علاقات عربية ودولية سليمة، وتحصن بنجاحه في إجراء انتخابات نزيهة.

 

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأحداث وقعت عشية المفاوضات في فيينا مع الشيطان الأكبر، فكان لا بد من توجيه هذه الرسالة الدموية على خط الخارج، بعد رسائل أخرى في اليمن على جبهة مأرب، وفي بحر العرب مع المسرحية الفاشلة لخطف ناقلة نفط، وفي لبنان مع “حرية تعبير” وزير الإعلام جورج قرداحي وتمسكه بكرامة وهمية، ومكاشفة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب لصحافيين بعتبه على المملكة العربية السعودية التي ترفض الاعتداءات المتكررة عليها من دولته الواقعة تحت الاحتلال الإيراني.

والقتل رسالة لا تختلف بجوهرها عن “حرية التعبير”، وهي يتعلق بمحاولة استعادة ترابط الدول المتحكم بها المحور الإيراني وصلابته بعد التعرض لاهتزازات عنيفة. ما يستوجب استعجالا في اتخاذ القرارات التصعيدية، ليسود التخبط مع تراكم الخسائر التي تكسر الهيبة والهيمنة.

ولا يهم تصريح مصطفى الكاظمي بأن “الصواريخ والمسيرات الجبانة لا تصنع أوطانا”. و لا يهم قوله “سنلاحق الذين ارتكبوا جريمة الأمس، نعرفهم جيداً وسنكشفهم”.

ففي الجعبة المزيد من وسائل التنكيل بشعوب الدول المصادرة سيادتها بغية تركيعها، والتلويح بالحروب الأهلية إن في العراق أو في لبنان، مع مواصلة جولات إراقة الدماء في اليمن وسوريا.

المهم البقاء في حيز الرعب الذي يخدم أجندة إيران المأزومة.

ولكن.. هل يحول الرعب دون انطلاق مرحلة العد العكسي، التي ربما لن تفرملها الرسائل المُسَيَّرَة؟؟ 

نقلا عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى