السليمانية بين الانقلاب والتصفية.. معركة السلطة تتحول إلى دماء

شهدت مدينة السليمانية مواجهات عنيفة بين القوات التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني ومسلحين من حزب جبهة الشعب الذي يتزعمه لاهور شيخ جنكي استمرت أكثر من ثلاث ساعات إلى أنْ انتهت باعتقال لاهور شيخ جنكي وشقيقه بولات شيخ جنكي في الساعة السادسة والنصف صباحاً وأسفرت المواجهة عن مقتل ثلاثة مسلحين وإصابة أكثر من سبعة عشر عنصرا أمنيا.
لاحظ المواطنون منذ مساء الخميس انتشاراً عسكرياً مُكثفاً في شوارع المدينة وتم اتخاذ إجراءات مُشددة في مداخل السليمانية منعاً لوصول الوافدين إليها واللافت هو غياب المبادرات الرسمية أو الشعبية لقطع الطريق على تفاقم الوضع وتصاعد العنف وهذا ما يوحي بأنَّ قادة الاتحاد الوطني قد أحاطوا شركاءهم في الحكم علماَ بالقرار كما لم تُعلن الأحزاب المعارضة عن أي موقف ولم تُطالب بتهدئة الأمور والاحتكام إلى لغة الحوار.
يشارُ إلى أن لاهور شيخ جنكي هو ابن عم بافل طالباني وعينَ رئيساً مشاركاً مع الأخير لإدارة الاتحاد الوطني عقب مقررات المؤتمر الرابع كما كان من أبرز الوجوه السياسية في إقليم كردستان العراق لكن ما إن لبث طويلاً حتى دبت الخلافات بين طالبانيين وباغته بافل بانقلاب أبيض في 8 يوليو 2020 ونصب نفسه قائدا أوحد للحزب بالمقابل أنشأ لاهور شيخ جنكي حزب جبهة الشعب وشارك في الانتخابات الأخيرة التي أجريت قبل تسعة أشهر غير أن غيوم التوتر والمشاحنات لم تتبدْ بينه وبين بافل وأخيرا مع كيل الاتهامات بين الطرفين والتراشق الإعلامي بينهما تم إصدار قرار قضائي لإلقاء القبض على لاهور شيخ جنكي وفق قانون 56 لمُكافحة الإرهاب.
رفض لاهور تسليم نفسه مؤكداً بأن قرار المحكمة مسيس والاتهامات مفبركة، لكن مع محاصرة بيته في منطقة سرجنار بالحشود من القوات الأمنية حيث ربضت المدرعات والدبابات واستخدمت الآليات العسكرية الثقيلة لم يتمكن زعيم جبهة الشعب من المقاومة سوى ثلاث ساعات.
يُذكر أنَّ توقيف شيخ جنكي يأتي بعد أيام من مداهمة بيت راعي حركة الجيل الجديد واعتقاله بتهمة التورط في المُخالفات القانونية، بينما يرى المراقبون بأنَّ التطورات المتلاحقة في الإقليم تؤكدُ بأنَّ الشريكين في الحكم “الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني” قد اتفقا على مُصادرة أصوات مُعارضة من خلال توقيف واعتقال الشخصيات السياسية وإغلاق المنابر الإعلامية غير المنضوية تحت سيطرة بارزاني وطالباني.
ومن المتوقع عدم مشاركة الأطراف السياسية في كعكة الحكم على مائدة العائلتين البارزانية والطالبانية في المستقبل وبذلك تتضحُ مظاهر الإقطاعية السياسية في الإقليم لاشك أنَّ هذه المعطيات تضع نظام الحكم أمام أسئلة وتثير شكوك على نطاق واسع بشأنِّ ما تتباهى به حكومة الإقليم من الدعوة إلى سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئ الديمقراطية الآن لأصوت يفوق صوت الرصاصة علوا في الإقليم ولا ينتظر المعارضين سوى الزنانة ولا خيار لحل المشكلات والمعضلات الاقتصادية والمالية إلا الخيار الأمني لقمع المظاهرات وحراك الشارع.
ومن الواضح أن حياة المواطن في الإقليم تعاني من الأزمة الطاحنة نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية وهيمنة العائلتين على مفاصل حيوية وموارد مالية وبرمجة المجتمع بالعقلية الأمنية.
وما يكون سؤالا في هذا التوقيت هو ماذا عن دور المؤسسات الحكومية والسلطة القضائية في بت الخلافات إذا كان للرصاصة قول فصل؟ّ وماذا تفيد صناديق الاقتراع إذا كانت نتيجة اللعبة معلومة مسبقاً إذ تدور المناصب بين أفراد من محميات بارزانية وطالبانية. ما يعني أن مصير المواطن الكردي لايزال وقفاً على النظام الإقطاعي المطلي بشعارات ديمقراطية وحرية ومدنية وفصل السلطات علماً بأن مجلس النواب مُعطلُ منذ خمسة عشر شهراً وأعضاؤه مُجازون حتى إشعار آخر.