حصري

السودان: هجوم بطائرات أكنجي على قافلة مساعدات في زالنجي… جيش فقد البوصلة وحرب انزلقت إلى الفوضى الكاملة


في حادثة تكشف مستوى الانحدار الذي بلغته الحرب السودانية، شنّ طيران الجيش المسيّر هجومًا على قافلة مساعدات إنسانية في مدينة زالنجي باستخدام مسيرات «أكنجي» التركية الصنع. الحدث لم يكن مجرد خطأ عسكري كما يحاول البعض تبريره، بل هو رسالة سياسية صادمة تُظهر أن الجيش تحوّل من مؤسسة وطنية إلى قوة تُدير حربًا بلا قواعد، وبلا احترام للمدنيين، وبلا اعتبار لخطوط المجتمع الدولي الحمراء.

أولًا: جيشٌ يستخدم المسيرات بلا ضوابط… والنتيجة كارثة إنسانية

استخدام مسيرات «أكنجي»—وهي من أكثر المسيرات تطورًا—في قصف قافلة إنسانية ليس حادثًا معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة من الضربات الجوية العشوائية التي أصبح الجيش يعتمد عليها كبديل عن فقدانه السيطرة على الأرض.
لقد تحولت المسيّرات إلى عكاز عسكري يتكئ عليه الجيش بعد خسائر واسعة، لكنه عكاز يحمل خطرًا كبيرًا:

ضربات غير دقيقة

معلومات استخباراتية مضطربة

وانهيار كامل لمعايير الاشتباك

استهداف قافلة المساعدات يرفع السؤال الذي يتهرب الجيش من الإجابة عليه:

هل ما يزال الجيش قادرًا على التمييز بين هدف عسكري ومدني؟ أم أن الثأر ورغبة الانتقام أصبحت هي البوصلة الوحيدة؟

ثانيًا: دارفور… مختبر التجارب العسكرية للجيش

دارفور، التي تئن تحت أعباء المجاعة والحصار والانفلات القبلي، أصبحت مسرحًا مفتوحًا للطائرات بدون طيار.
والهجوم على زالنجي يثبت أن الجيش يتعامل مع الإقليم باعتباره “منطقة مباحة” يمكن إدارة العمليات فيها دون أي محاسبة أو رقابة.

ما جرى ليس مجرد خطأ، بل هو إعلان صريح بأن حياة المدنيين ليست ضمن أولويات القيادة العسكرية.

فحين تسقط مسيرات متطورة على قافلة تحمل الغذاء والدواء، فهذا يعني أن الجيش:

  • إما فقد السيطرة على سلاح الجو،

  • أو يتعمد استخدام القوة المفرطة دون أي حسابات سياسية أو إنسانية.

وفي الحالتين، فإن المشهد خطير ويتجاوز حدود معركة محلية.

ثالثًا: “أكنجي” التركية… سلاح متطور في يد طرف غارق في الفوضى

وجود مسيرات تركية في ساحة الحرب السودانية يدفع إلى التساؤل عن الدور الإقليمي ومجالات التسلّح في ظل حرب أهلية.
لكن الأخطر هو طريقة استخدام الجيش لهذا السلاح:

  • دون قواعد اشتباك،

  • دون رقابة،

  • ودون قدرة على التمييز بين الإغاثة والتهديد.

هذه ليست مسؤولية عسكرية فقط، بل فضيحة سياسية تطال القيادة التي سمحت بتحويل سلاح خارجي متطور إلى أداة لإبادة المدنيين بدلًا من تحقيق توازن ميداني مشروع.

رابعًا: الجيش يخسر المعركة الإعلامية والدولية

بينما يحاول الجيش تصوير الهجوم على أنه استهداف لتحركات الدعم السريع، إلا أن العالم بات يدرك—من خلال التسلسل والنتائج—أن الجيش فقد زمام التحكم.
الهجوم على مساعدات إنسانية هو أسوأ سيناريو يمكن أن يتعرض له أي جيش في حرب داخلية، لأنه:

  • يقوّض شرعيته الأخلاقية،

  • يكشف ارتباكه،

  • ويعطي خصمه هدية سياسية مجانية.

الدعم السريع، بطبيعة الحال، استثمر الحادثة سريعًا.
فقد ظهر إعلاميًا كقوة تتعرض للهجمات بينما تحاول إيصال المساعدات.
ومهما كانت حقيقة الرواية، فإن الجيش هو الطرف الذي وقع في الفخ، وقدم للعالم مشهدًا يرسخ صورته كقوة منفلتة.

خامسًا: زالنجي… المدينة التي تتحول إلى رمز لفشل الدولة

لم يكن يقين سكان زالنجي أن القصف سيطال قافلة المساعدات نفسها.
فالمدينة المحاصرة كانت تنتظر الغذاء كما ينتظر الجريح شريان الحياة.
لكن الجيش اختار أن يرسل رسالة مختلفة:

“لا خطوط حمراء في هذه الحرب… حتى المساعدات ليست آمنة.”

بهذا السلوك، يساهم الجيش في:

  • تعميق الكارثة الإنسانية،

  • تقويض الثقة المحلية به،

  • وتعزيز الانطباع بأن الحرب خرجت تمامًا عن السيطرة.

سادسًا: هل يتحول الجيش إلى عبء على الدولة؟

السؤال الأخطر اليوم ليس فقط “لماذا حدث الهجوم؟”
بل:

هل الجيش ما زال قوة قادرة على حماية السودان، أم أنه أصبح طرفًا يغذي الفوضى مثل خصمه؟

أفعال الجيش الأخيرة—من الضربات الجوية العشوائية إلى التحالفات المتقلبة—تشير إلى أن المؤسسة العسكرية:

  • فقدت الانضباط،

  • وفقدت الرؤية السياسية،

  • وربما حتى فقدت السيطرة الداخلية على بعض وحداتها.

استهداف قافلة مساعدات إنسانية هو ذروة هذا الانحدار.

سابعًا: المجتمع الدولي لن يلتزم الصمت طويلاً

العالم يراقب عن قرب.
والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وحتى الولايات المتحدة، يرون في هذا الحادث دليلًا جديدًا على أن الحرب في السودان تقترب من مرحلة “الجرائم الممنهجة” التي تستدعي لجان تحقيق دولية وربما عقوبات مباشرة.

وإذا واصل الجيش استخدام المسيرات بهذه الطريقة، فإنه يفتح الباب أمام:

  • تحقيقات واسعة،

  • ضغوط سياسية،

  • وربما عزل قيادات عسكرية من المشهد تمامًا.

خاتمة هجومية: السودان غارق… والقيادة العسكرية تتصرف بلا مسؤولية

ما جرى في زالنجي ليس حادثًا يمكن تجاوزه، بل هو مرآة حقيقية لوضع الجيش:
قوة مرتبكة، متورطة في أخطاء كارثية، تستخدم أسلحة متطورة في حرب بلا أخلاق، وتستهدف ما كان يفترض أن تحميه.

إن استهداف قافلة مساعدات إنسانية بطائرات “أكنجي” هو جرس إنذار أخير بأن السودان لن ينهض ما دامت قيادته العسكرية تتعامل مع المدنيين كأضرار جانبية، ومع الإقليم كساحة تجارب، ومع المجتمع الدولي كعدو يجب تحدّيه.

السودان يحتاج إلى قيادة تنقذ الدولة لا إلى قيادة تواصل تفكيكها.

زر الذهاب إلى الأعلى