السودان ومحاولات التوفيق
يحظى السودان بأهمية قصوى لدى المجتمع الدولي والعربي، فاستقراره وأمنه يمثّلان ضرورة بالنسبة للمنطقة وأمن الملاحة الدولية.
فالسودان دولة محورية إقليميا ودوليا، يملك مزايا جغرافية كافية لتجعله مؤثرًا في محيطه والعالم، بالإضافة إلى موارده الطبيعية الهائلة غير المستثمرة حتى الآن بالشكل المطلوب لاحتياجات الشعب السوداني الشقيق.
تحديات داخلية وخارجية كبيرة أمام السودان اليوم، فما وقع مؤخرا من تجاذبات سياسية بين مكونات الحكم بعد مرحلة الإطاحة بحكم عمر البشير، كاد يعطل كثيرا من الإنجازات التي تمت خلال السنوات الماضية، ما فرض معادلات جديدة، وجب على السودان كله فك شفراتها.
ومنذ بداية أزمة وأحداث السودان كان من الملاحظ أن كل التصريحات الصادرة من دول العالم وجامعة الدول العربية كانت لا تتخطى دعوات “ضبط النفس” و”تغليب لغة العقل” و”المصلحة العليا” و”الاحتكام إلى الحوار”، وغير ذلك من عبارات تهدئة الأجواء المشتعلة، وذلك دعمًا للصلح وإعادة العجلة للدوران من جديد في السودان بعدما توقفت بفعل الأحداث والإجراءات الأخيرة والخلاف بين المكونين المدني والعسكري.
لقد اتخذ السودان، بعد سقوط النظام السابق، خطوات مهمة في سبيل الانفتاح على العالم ودول المنطقة، وذلك للتخلص من العقوبات التي فرضت عليه، لكنّ عدم التوافق ربما من شأنه أن يُبقي السودان في دوامة تهدده بالأزمات والانقسامات، ما يوجب ترسيم العلاقة بين المكونات السودانية لحفظ التوازن عبر مشاركة فاعلة تمنح البلد استقراره السياسي والاقتصادي المحفز للاستثمار والنمو ويحافظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية المتحققة، ويحمي وحدة الصف السوداني من أي شقاق.
الاتفاق والمصالحة في السودان توقفان خطر انزلاق البلد إلى مسار التشرذم، وتحميان وحدة السودانيين لاستعادة المؤسسات الانتقالية وتحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء، كما تعيدان التوازن للوثيقة الدستورية من خلال بناء المؤسسات الوطنية المدنية، كما أن الإعلان السياسي الموقع بين رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، والفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي، سيشهد مصاعب وتحديات كبيرة لكنه يبقى انفراجة في الوضع السوداني، لذا وجب على كل الأطراف الجاهزية التامة وإدراك طبيعة وأهداف وتفاعلات المشروع الوطني السوداني وأغراضه النهائية، وهو المشروع الذي يتطلب تماسك مؤسسات الدولة السودانية وعدم المساس بمكوناتها.
لا شك أن الفترة المقبلة ستعتمد بشكل مباشر على توقف التصعيد من كل الأطراف لكي يصمد هذا الاتفاق السياسي، فضلا عن ضرورة استمرار الشراكة والتصرف بحكمة من أجل رأب الصدع، ومخاطبة الشباب لحل إشكالياته واستيعاب رؤيته نحو السودان الجديد.
التعاون والتفاؤل في هذه المرحلة مهم للكل، لكي تُفتح أبواب الأمل لمستقبل مشرق لبلد يستحق التضحية من أجله ومن أجل أجيال تستحق العيش بسلام وأمان واستقرار.