الصدر يهاجم مرشحين خالفوا دعوته للمقاطعة متمردون أم منشقون

شدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على رفضه القاطع لمشاركة 78 مرشحاً محسوبين على تياره في الانتخابات التشريعية المقبلة، والمقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. ورأى أن ما يجري هو محاولة مكشوفة لاستغلال القاعدة الشعبية الواسعة للتيار دون موافقة أو غطاء رسمي من قيادته.
وأوضح في تعليقه على قائمة المرشحين، أن هؤلاء الأشخاص ــ سواء كانوا منشقين سابقين أو ممن تحدوا قرارات القيادة بمقاطعة العملية الانتخابية ــ لا يمثلون التيار الصدري، بل يسيرون في اتجاه معاكس لمبادئه، ويعملون على “إضعاف الوطن” من خلال التحالف مع قوى سياسية فاسدة تسعى فقط خلف السلطة والثروة.
ورغم أن التيار الصدري لا يزال يشكل كتلة جماهيرية كبرى في الشارع العراقي، فإن زعيمه يتمسك بخط سياسي قائم على إصلاح شامل يبدأ من الابتعاد عن العملية السياسية التي يعتبرها “ملوثة بالفساد”، ويرى أن المشاركة فيها، في ظل المعطيات الحالية، لن تقود إلى تغيير حقيقي، بل إلى مزيد من تكريس منظومة الفشل.
وما يثير الانتباه في السياق الحالي هو العدد الكبير من المرشحين الذين ينسبون أنفسهم إلى التيار الصدري أو يحاولون الاستفادة من شعبيته، إذ بلغ عددهم 78 مرشحاً. هذا الرقم ــ في نظر مراقبين ــ لا يعكس فقط انقسامًا في صفوف التيار، بل يكشف عن وجود أصوات عديدة تسعى إلى ركوب موجة الشعبية الصدرية لتحقيق مكاسب سياسية، متجاوزة الموقف الرسمي المعلن للتيار.
وتُعد هذه الظاهرة مقلقة بالنسبة للصدر، الذي كان قد حذر في آب/أغسطس الماضي من مغبة استغلال اسم التيار الصدري لأغراض انتخابية أو شخصية، دون تنسيق أو مباركة من القيادة. وشدد في حينه على أن رفضه لا ينبع من خلافات شخصية، بل من التزامه بخط إصلاحي اتخذه منذ انسحابه الطوعي من الحياة السياسية عام 2022.
ولم يكن قرار مقتدى الصدر بعدم العودة إلى المشهد السياسي وليد اللحظة، بل جاء تتويجاً لسلسلة من الأحداث السياسية المتراكمة، بدأت عقب انتخابات 2021 التي فازت فيها كتلته بـ73 مقعداً، لكنها اصطدمت بجدار “الثلث المعطل” الذي حال دون تشكيل حكومة جديدة، بفعل اعتراضات الإطار التنسيقي وبعض القوى الشيعية المتحالفة معه.
وبعد شهور من الانسداد السياسي، فاجأ الصدر الجميع بإعلانه انسحاب كتلته من البرلمان، مفسحًا المجال لقوى أخرى لملء الفراغ، وموجهاً رسالة واضحة بأن مشروعه السياسي لا يمكن أن يستمر وسط بيئة مشبعة بالفساد وسلاح منفلت.
ورغم الابتعاد الرسمي، لم يغب تأثير التيار الصدري عن الشارع، إذ بقي قوة اجتماعية وسياسية فاعلة، وهو ما دفع أطرافاً سياسية لمحاولة التسلل إلى قواعده عبر ترشيحات فردية لا تحظى بأي غطاء تنظيمي.
وكان الصدر رغم رفضه لقرار الترشح شدد على ضرورة عدم التعرض أو الإساءة إلى المرشحين الأفراد، مؤكدًا أن موقفه سياسي بحت، لا يرتبط بخلافات شخصية. لكنه في الوقت نفسه وجّه رسالة صريحة للناخبين مفادها أن هؤلاء لا يمثلون التيار الصدري، ولا يعبرون عن رؤيته أو مشروعه الإصلاحي.
ويبدو أن زعيم التيار عازم على منع تكرار ما حدث في الانتخابات الماضية من محاولات لتجيير شعبيته لأغراض لا تصب في مصلحة الوطن أو المواطن، ويراهن في ذلك على وعي جمهوره وانضباط قاعدته التنظيمية، التي أثبتت في محطات كثيرة قدرتها على الالتزام بخيارات القيادة.
في ضوء ذلك، يدخل المشهد الانتخابي في العراق مرحلة حساسة، حيث تتداخل الحسابات الحزبية مع الرغبة الشعبية في التغيير، وسط غياب واحدة من أبرز القوى السياسية المنظمة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويطرح تساؤلات حول مستقبل التوازنات السياسية في البلاد.