اخترنا لكم

الصفقة النووية الصعبة مع إيران


مع قرب استئناف المفاوضات في فيينا بخصوص الملف النووي الإيراني بين إيران والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في الأسبوع المقبل، تتبدد الآمال بسرعة الوصول إلى اتفاق نووي جديد، على عكس أحاسيس التفاؤل التي كانت سائدة في شهر يونيو الفائت في آخر جلسة تفاوض بين الطرفين قبل أن توقف إيران التفاوض مؤقتاً بعد انتخاب ابراهيم رئيسي كرئيس للبلاد.

الأميركان، الغائبون حول طاولة المفاوضات بسبب رفض إيران الالتقاء مباشرة بهم، والحاضرون في المدينة في فندق مجاور لمكان الاجتماعات، يشعرون أن الوقت يضيق أمامهم لمنع إيران من صناعة سلاح نووي، فيما يعتقد الإيرانيون أنهم يستفيدون من مرور الوقت الذي يقربهم من صناعة هذا السلاح وهو ما يجعلهم في موقف تفاوضي أقوى.

حس الارتخاء الإيراني ظهر في تصريح وكيل وزير الخارجية الإيراني وزعيم فريق بلاده التفاوضي، علي باقري، في باريس مؤخراً إذ قال “لا يوجد هناك شيء اسمه مفاوضات نووية” بل هي “مفاوضات لرفع العقوبات غير القانونية وغير الانسانية” التي فرضتها واشنطن على إيران.” وكرر باقري مطلبي إيران الرئيسيين اللذين ترفضهما واشنطن بشدة ويتلخصان برفع كامل للعقوبات الاقتصادية سواءٌ التي فُرضت بسبب البرنامج النووي او غيره مثل برنامج الصواريخ او الانشطة الإيرانية التي تعتبرها واشنطن ارهابية، وضمانات ان اميركا لن تنسحب من أي اتفاق مستقبلي مع إيران كما فعلت ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

تقوم مراهنة إيران الأساسية التي تعتمد الوقت على اقترابها من صناعة قنبلة نووية، إذ تقدر مصادر غربية أن إيران تستطيع صناعة مثل هذه القنبلة في فترة تتراوح بين بضعة اسابيع الى بضعة أشهر من لحظة اتخاذها مثل هذا القرار. فطبقاً لمنظمة الطاقة الذرية تمتلك إيران نحو 18 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، أي بزيادة 8 كيلوغرامات منذ شهر آب الفائت، فيما تقول إيران أن لديها نحو 25 كيلوغراما. لتصنيع قنبلة نووية واحدة، يُحتاج الى 20 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 بالمئة، لكن الوصول من تخصيب 60 بالمئة إلى 90 بالمئة أمر سهل نسبياً وبمقدور إيران القيام به.

ما يزيد الأمر تعقيداً على الولايات المتحدة هو أن أساليب الردع العسكرية والسيبرانية التي استخدمتها إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية لتأخير أو تعطيل البرنامج النووي الإيراني جاءت بنتائج عكسية على المدى المتوسط، فطبقاً لتقارير اميركية تَعَلَم الإيرانيون سريعاً الدروس من هذه الهجمات، إذ قاموا بشكل سريع نسبياً ببناء منشآت أفضل بحمايات الكترونية أكثر رصانة. فعلى سبيل المثال، عندما تعرضت منشأة لصناعة أجهزة الطرد المركزي التي تُستخدم لتخصيب اليورانيوم لتفجير شديد في الربيع الماضي، كانت اسرائيل وراءه، تسبب بأضرار فادحة فيها، أعاد الإيرانيون بنائها بمواصفات أعلى واستؤنف العمل فيها بعد التفجير بأشهر. ولذلك تطالب الولايات المتحدة اسرائيل بالتوقف عن هذه الهجمات، لكن الاخيرة تصر على الاستمرار فيها، فضلاً عن تطويرها قدرات عسكرية أفضل لاستهداف المنشآت الإيرانية، مثل الصواريخ التي تستطيع اختراق جدران الكونكريت تحت الأرض.

ما هي الخيارات الأميركية إذن؟ كسب الوقت بالدرجة الأولى عبر إيقاف الإيقاع السريع لتقدم برنامج إيران النووي. مصادر مطلعة ذكرت أن أوساط البيت الأبيض تناقش اتفاقية مؤقتة مع إيران تجمد بموجبها الأخيرة العمل ببرنامجها النووي مقابل رفع عدد محدد من العقوبات الأميركية في أثناء التفاوض للتوصل الى اتفاقية دائمة. من المستبعد أن توافق إيران على خيار كهذا وهي تدرك ان نقطة قوتها الاساسية هي عبر مواصلة تقدمها في برنامجها النووي الذي عبره تستطيع ان تضغط على الولايات المتحدة للتوصل إلى صفقة تناسبها. تتلخص هذه الصفقة برفع كامل وسريع للعقوبات الاميركية مرةً واحدةً، وهي عقوبات كثيرة تراكمت على مدى اربعين عاماً لأسباب مختلفة، مقابل تفكيك البرنامج النووي واخضاعه لرقابة دولية جادة. يناقض هذا الرغبة الاميركية برفع تدريجي للعقوبات وحصر هذا الرفع بالعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي وحده، واستثناء العقوبات الاخرى المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية وسلوك إيران الاقليمي.

يمكن أن تكون الخيارات الأميركية الأخرى رادعةً وحاسمةً. بهذا الصدد، لوح الجنرال كينيث ماكينزي، قائد قوات المنطقة الوسطى الاميركية التي تغطي الشرق الأوسط وتشمل إيران، بخيارات عسكرية مشيراً الى ان تعليمات الرئيس بايدن هي عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. في لقائه مع مجلة تايم الأمريكية هذا الأسبوع، كان ماكينزي واضحاً إذ نقلت عنه المجلة قوله “قال رئيسنا أنه لن يكون لدى الإيرانيين سلاح نووي. يقود الدبلوماسيون الجهود الآن بهذا الاتجاه، لكن لدى القيادة المركزية دائماً مختلف الخطط التي بإمكاننا تطبيقها عند تلقينا الأوامر”.

التحدي الأميركي هو سياسي أكثر منه عسكري، الولايات المتحدة قادرة عسكرياً على تدمير برنامج إيران النووي وضمان ألا يُعاد بناؤه من خلال عمليات عسكرية متواصلة. لكن ادارة بايدن، القليلة الاهتمام بالشرق الاوسط عموماً، ليست راغبة في الدخول في نزاع عسكري مفتوح في المنطقة. تفهم إيران هذه الخشية الأميركية جيداً وتوظفها لصالحها ببراعة ومن هنا إظهارها عدم الاكتراث باستئناف المفاوضات النووية التي اوقفتها هي مدة أربعة أشهر في أثناء تلهف غربي لمواصلتها وعقد اتفاق نووي جديد بأسرع وقت ممكن. غياب الاكتراث الإيراني هذا عَبَّرَ عنه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في حديث له مع صحيفة نيويورك تايمز في نهاية سبتمبر الماضي، إذ ذكر للصحيفة انه غير مهتم بالقيام بتفاوض يركز على التفاصيل كالذي كان يقوم به سلفه محمد جواد ظريف.

لكن الميزات التكتيكية والمتوسطة المدى التي تمتع بها إيران الآن لا تعني أنها في موقف استراتيجي قوي إزاء نظرائها الغربيين. فهناك قرار غربي وإسرائيلي بمنع إيران من حيازة سلاح نووي بأي ثمن وهذه الاطراف قادرة عسكرياً على تدمير المنشآت النووية الإيرانية إذا قررت ذلك، بعد اقتناعها بأن إيران قريبة من صناعة سلاح نووي. ورقة الغرب الاقوى هي العقوبات الاقتصادية الأميركية التي يؤدي استمرارها لفترة طويلة في المستقبل الى التفكيك التدريجي للاقتصاد الإيراني الذي يواجه مصاعب جمة الآن. هذا خيار غربي ليس لدى إيران الكثير للرد عليه غير المزيد من شد الاحزمة على البطون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى