العراق: مقتل العشرات في حريق مركز تسوق يثير الغضب الشعبي

قُتل 60 شخصا على الأقل في حريق اندلع في مركز للتسوق في مدينة الكوت في شرق العراق ليلا، فيما تجمّع أقارب الضحايا المكلومين عند المستشفى بحثا عن أحبائهم، مع تزايد الغضب الشعبي من التقصير الحكومي وتفشي الفساد والمحسوبية الذي أدى الى تكرار هذه الحوادث بسبب نفوذ رجال أعمال لا يراعون معايير السلامة في المشاريع الاستثمارية.
وأمرت السلطات بفتح تحقيق في الحريق في بلد غالبا ما يتم فيه التغاضي عن معايير السلامة.
وأفاد شخصان على الأقل بأنهما خسرا خمسة من أفراد عائلتيهما الذين توجهوا إلى المركز الذي دشن قبل حوالى خمسة أيام فقط للتسوق وتناول العشاء.
وقالت وزارة الداخلية في بيان “أودى هذا الحريق المؤلم بحياة 61 مواطنا بريئا، غالبيتهم قضوا اختناقا داخل الحمامات نتيجة تصاعد كثيف للدخان، وبينهم 14 جثة متفحمه غير معلومة”.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن محمد جميل المياحي محافظ واسط (حيث تقع الكوت) قوله إن من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال.
وأكد مصدر طبي في الكوت وجود الكثير من الجثث التي لم يتم التعرّف عليها. فيما عناصر الإنقاذ ما زالوا يبحثون عن مفقودين.
وأوضحت وزارة الداخلية في بيانها أن فرق الدفاع المدني تمكنت من إنقاذ “أكثر من 45 شخصا كانوا عالقين داخل المبنى” المؤلف من خمسة طوابق والذي يضم مطعما وسوبرماركت.
ووجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بإجراء “تحقيق فوري في الأسباب والظروف المحيطة، وإجراء تحقيق فني دقيق لكشف أوجه التقصير، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث”.
من جانبه، قدّم المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني تعازيه لعائلات الضحايا.
مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)
في التعزية بحادث الحريق المفجع في مدينة الكوت#العتبة_الكاظمية_المقدسة#عاشوراء_بحزن_كاظمي#وفاء_للحسين#السيستاني pic.twitter.com/AtpbkHcedx— العتبة الكاظمية المقدسة (@AlJawadainIQ) July 17, 2025
وعزا زعيم التيار الصدري سبب وقوع هذه الحادثة الى فساد الطبقة السياسية في العراق، قائلا في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، إن “فاجعة الكوت تكشف فسادهم”.
من جانبه أعرب رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد في منشور على منصة “إكس – تويتر سابقا” عن تعازيه بهذه الحادثة.
وأكد الرئيس العراقي، على “ضرورة فتح تحقيق بالحادث ومعرفة ملابساته، ومحاسبة المقصرين”، داعيا الجهات المعنية لمتابعة إجراءات السلامة المهنية والالتزام بالتعليمات الصادرة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة.
واندلع الحريق في وقت متأخر الأربعاء إذ ذكرت تقارير بأنه نشب بداية في الطابق الأول قبل أن ينتشر سريعا في “هايبر ماركت الكورنيش”.
ولم يعرف سببه بعد، لكن أحد الناجين أفاد بأن مكيّفا انفجر. وبقيت سيارات الإسعاف تنقل الضحايا حتى الساعة الرابعة فجرا إذ غصّت مستشفيات الكوت الواقعة على بعد نحو 160 كيلومترا شرق بغداد، بالضحايا.
وشاهد مراسل وكالة فرانس برس جثثا متفحمة في دائرة الطب الشرعي في محافظة واسط. وبينما تمّت السيطرة على الحريق إلا أن عناصر الإطفاء ما زالوا يبحثون عن مفقودين.
وأظهرت تسجيلات مصوّرة على الشبكات الاجتماعية أقارب الضحايا عند المستشفى بانتظار الحصول على أي أنباء عن أحبائهم، فيما انهار بعضهم بالبكاء. وشوهد رجل جالس على الأرض يلطم ويصرخ “والدي، آه يا قلبي”.
وتجمّع العشرات أمام المستشفى حيث حاولوا التعرف على هويات الضحايا المنقولين في سيارات الإسعاف فيما بدا التأثر واضحا على بعضهم.
وقال أحدهم ويدعى ناصر القريشي، وهو طبيب في الخمسينات من عمره، إنه فقد خمسة من أفراد عائلته في الحريق. وأفاد “حلّت مصيبة علينا.. توجهنا إلى مركز التسوق لتناول العشاء والهرب من انقطاعات الكهرباء في المنزل.. انفجر مكيّف في الطابق الثاني ومن ثم اندلع الحريق ولم نتمكن من الهرب”.
وأعلن المياحي الحداد في المحافظة لمدة ثلاثة أيام وأضاف “سنُعلن للرأي العام خلال 48 ساعة نتائج التحقيق الأولية”، مؤكدا أنه تم رفع دعوى قضائية على صاحب المبنى ومركز التسوق.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في الأيام الأخيرة، اندلعت حرائق في متاجر ومخازن في أنحاء مختلفة من العراق.
وغالبا ما لا يتمّ التزام معايير السلامة في العراق الغنيّ بالموارد النفطية، لا سيّما في قطاعي البناء والنقل. ويعاني العراق أيضا من بنى تحتية متداعية نتيجة عقود من النزاعات، ما يؤدّي مرارا إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى.
وحمّل رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة واسط حبيب البدري، إدارة المبنى التجاري والجهات الرقابية مسؤولية الحريق المأساوي الذي اندلع في المبنى المكون من خمسة طوابق، وأسفر عن وفاة العشرات، في حادثة وصفها بـ”الكارثة الوطنية”.
وقال البدري، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن النيران اندلعت في الطابق الرابع من المبنى، الذي يحتوي على مواد سريعة الاشتعال من نوع “السندويج بنل”، مما أدى إلى تفحم عدد كبير من العوائل التي لم تتمكن من الفرار بسبب غياب وسائل السلامة الأساسية.
وأضاف أن “إدارة المشروع تتحمل المسؤولية الكبرى، بسبب غياب سلالم ومخارج الطوارئ، وانعدام أنظمة الإنذار المبكر أو معدات الإخلاء”، مشيراً إلى أن “هذه الإهمالات تسببت في حصد هذا العدد الكبير من الأرواح”.
وأشار البدري إلى أن مديرية الدفاع المدني لم تكن مجهزة بالآليات التخصصية اللازمة للتعامل مع الحادث بهذا الحجم، وقال “رغم الجهود المشهودة التي بذلتها الفرق الميدانية في واسط، إلا أن غياب الدعم من المركز وعدم توفر معدات الإنقاذ الحديثة، حال دون السيطرة السريعة على الحريق”.
وأكد أن “المسؤولية لا تقع فقط على إدارة المشروع، بل تمتد إلى الجهات الرقابية والحكومية التي منحت التراخيص دون تدقيق فعلي على شروط الأمان، وغضّت الطرف عن المخالفات المتراكمة”.
وأشار إلى أن اللجنة الأمنية حددت نسب التقصير، موضحاً أن “إدارة المشروع تتحمل العبء الأكبر، يليها القصور في المتابعة من قبل الجهات المعنية”، داعياً الحكومة إلى فتح تحقيق شامل ومحاسبة كل من أهمل أو تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الكارثة.
وختم البدري “ما حدث اليوم في واسط لم يكن قضاءً وقدراً فحسب، بل نتيجة مباشرة للإهمال والتراخي في فرض إجراءات السلامة. يجب أن تكون هذه الفاجعة جرس إنذار حقيقي لمراجعة جميع المشاريع الاستثمارية والتجارية في البلاد”.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، اندلع حريق في قاعة خلال حفل زفاف في بلدة قرقوش في شمال العراق، خلّف 134 قتيلا، قالت السلطات إن الألعاب النارية ومواد بناء شديدة الاشتعال تسببت به.
وفي يوليو/تموز2021، أسفر حريق في قسم مخصص لمرضى كوفيد في مستشفى بجنوب العراق عن مقتل أكثر من 60 شخصا.
ويُنحى باللائمة في جميع الحوادث على الإهمال والفساد والتراخي في تطبيق اللوائح التنظيمية.
وانتقاد التراخي في التعامل مع تدابير السلامة العامة شائع في العراق، البلد الذي أضعفته الصراعات المتكررة منذ الغزو الأميركي عام 2003، وتدهورت فيه الخدمات بسبب استشراء الفساد الذي لم يحاسب عليه سوى عدد قليل من كبار المسؤولين.
وأعفى وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري قبل حوالي العامين عددا من المسؤولين المحليين في محافظة نينوى من مناصبهم على خلفية الإهمال و”عدم القيام بالواجبات الوظيفية” إثر الحريق الدامي الذي اندلع خلال حفل زفاف وأسفر عن مقتل 107 أشخاص والمعروف إعلاميا بحريق الحمدانية.
كذلك تمّ فتح تحقيق بحقّ مدير الدفاع المدني في المحافظة “لعدم قيامه بواجباته واكتفائه بالإنذارات والقضايا الروتينية”.