الشرق الأوسط

العراق.. هل “تمرد” السوداني على قوى إيران؟


بدا العراق وكأنه يتحرك نحو واشنطن ومحيطه العربي من جديد، متجاوزا بذلك خطط القوى السياسية الموالية لإيران وسط تعهد أمريكي بدعم حكومة محمد شياع السوداني.

ويعيد موقف “السوداني” من بقاء القوات الأمريكية، الأذهان إلى تحرك سلفه الأسبق حيدر العبادي حين تمرد على “حزب الدعوة” الذي كان غطاءً سياسيا له آنذاك.

وعد مراقبون تصريحات السوداني الذي وصل إلى مقعد رئاسة الوزراء في أكتوبر الماضي، خروجاً عن مواقف العباءة السياسية التي ينحدر منها ومن أوصلته إلى القصر الحكومي بعد أزمة معقدة عاشتها البلاد استمرت لنحو عام.

وكان قوى الإطار التنسيقي (القوى الشيعية المقربة من إيران)، دفعت بمرشحها محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء بمباركة حلفائه من أحزاب “السيادة” و”تقدم” و”الديمقراطي الكردستاني” بعد تحولهما من معسكر رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر قبيل تشكيل الحكومة بنحو شهر.

السوداني وخلال مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، وطأ كما يراه بعض المعنين بالشأن السياسي العراقي”المنطقة المحرمة”. حين أبدى موقف رداً على سؤال وجه إليه قائلاً: ” نعتقد أننا بحاجة إلى القوات الأجنبية”.

وتبع ذلك بقول:”القضاء على داعش يحتاج إلى مزيد من الوقت”.

 

ويأتي ذلك الموقف، بعد نحو يومين على تصريح بشأن رد على مطالب واحتجاج رسمي إيراني حول استخدام مصطلح “الخليج العربي”، ضمن البطولة التي تستضيفها البصرة جنوب العراق والمعروفة بـ” خليجي 25″.

وجاء في رده، أن “العراق جزء من المنظومة العربية”، وما يدور حول استخدام تلك المفردة في خليجي 25 ، “لا نريد أن ندخل في هذه الإشكاليات التي يحاول البعض إثارتها”.

تصريحات رئيس الوزراء العراقي تحمل في طياتها ما وصفه مراقبون بـ”فسخ العقد” مع الإطار التنسيقي وربما قد يستخدم الأخير الضغط لإرجاعه إلى متبنياته إزاء الوضع الإقليمي وموقف العراق من الشرق والغرب.

وعمل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي سبق السوداني وجاء على وقع احتجاجات غاضبة عمت أرجاء البلاد، على العطف ببوصلة العراق من المعسكر الإيراني والتوجه بعلاقات الخارجية نحو الفضاء العربي والدولي.

ولاقى الكاظمي الذي أدار منصب رئاسة الوزراء لنحو 28 شهراً. مواقف غضب واستياء من قبل القوى السياسية المقربة من إيران وصلت إلى استهداف منزله في عملية اغتيال فاشلة بطائرات مسيرة عند المنطقة الرئاسية المحصنة ببغداد.

وصعدت المليشيات المسلحة التي تعود إلى جهات سياسية في معظمها يندرج تحت غطاء الإطار التنسيقي ، على تصعيد هجماتها ضد مقار البعثات الدبلوماسية وخصوصاً مصالح الولايات المتحدة في العراق.

وإذا ما استمر السوداني بـ”التحليق خارج السرب”، وإرادة الظهر لامتداده السياسي. سيكون في مواجهة مماثلة تتشابه مع الكاظمي، المستقل حزبياً والعبادي، ذو الانتماء السياسي.

واشنطن تدعم السوداني

 

وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية، الإثنين، التزماها مع العراق في جميع الأصعدة، واستمرار الدعم والمساندة لإنجاح حكومة السوداني.

وجاء ذلك، خلال استقبال السوداني، منسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، مبعوثاً من الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن.

وبحث الجانبان، بحسب بيان رسمي لمكتب السوداني، مجمل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة. وسبل تعزيزها وتنميتها على مختلف الصعد والمجالات، بما يخدم مصالح الشعبين العراقي والأمريكي.

وأكد السوداني، توجه الحكومة في “فتح آفاق التعاون مع البلدان الصديقة والشقيقة، بما يؤمن مصالح الشعب العراقي”.

وأشار إلى “قدرة القوات الأمنية على مواجهة الإرهاب وتثبيت الاستقرار المتحقق بفضل التضحيات الجسام التي قُدمت على أرض العراق”.

من جانبه، أكد ماكغورك، دعم بلاده لـ”إنجاح الحكومة الحالية. واستمرار الولايات المتحدة في تقديم المشورة للقوات العراقية في قتالها ضد داعش”.

وجدد مبعوث بايدن، التزام الإدارة الأمريكية بـ”اتفاقية الإطار الاستراتيجي، ودعم إصلاحات الحكومة العراقية في مجال الطاقة والبُنية التحتية ومواجهة التغيرات المناخية”.

هذا ونقل ماكغورك ترحيب بلاده بـ”مخرجات مؤتمر “بغداد-2″، وجهود تنمية مشاريع البنى التحتية المشتركة بين العراق ومحيطه، وترحيبها بالزيارة المرتقبة لوزير الخارجية فؤاد حسين إلى واشنطن لعقد اجتماعات اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين”.

وحضر اللقاء، المنسّق الرئاسي الخاص للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة السيد ‏آموس هوشتاين والسفيرة الأمريكية لدى بغداد السيدة إلينا رومانوسكي.

صنع التوازن

وتعليقا يقول المحلل السياسي علي الكاتب، إن “التحدي الأكبر الذي يواجهه محمد السوداني يتمثل في فرض وصنع التوازن ما بين إرضاء القوى التي دفعت به إلى رئاسة الوزراء العراقية وبين تمثيل مصالح البلاد على أساس المصلحة الوطنية والمشترك الجيوسياسية وهو أمر بالغ الصعوبة إذ لم يكن مستحيلاً”.

ويضيف “الكاتب” أن “السوداني وبعد نحو شهر على تسلم رئاسة الحكومة يكشف عن مواقف وتحركات أصابت “قوى الإطار” بالتوجس والخشية من انقلاب الأبناء على الآباء. من بينها قضية “سرقة القرن” التي تتحدث عن تورط جهات مليشاوية كبيرة في ذلك الأمر”.

وجراء ذلك وما تبعه صاعداً، نشب الخلاف بين مكونات الإطار التنسيقي بشأن مواقف الرضا والغضب إزاء شخصية السوداني، كما يقول المحلل علي الكاتب.

ويلفت إلى أن “بعض الكيانات تتماشى مع رغبة السوداني في تصحيح المسارات السياسية سواء في جانبها الداخلي أو الخارجي، وأن أغضب ذلك طهران. فيما تصر أطراف وهي ذات التأثير الأكبر داخل الإطار على كسب ود إيران وإن كان على حساب المصلحة الوطنية”.

 

فيما يستبعد الأكاديمي عصام الفيلي، أن “يمضي “الإطار بمعاقبة السوداني على تصريحاته الأخيرة بشأن وجود القوات الأجنبية وما سبقها من تصريحات”. وأرجع ذلك إلى أن “تلك القوى تدرك جيداً أنها إذا فشلت في إدارة البلاد سيكتب ذلك نهايتها وإعلان إفلاسها السياسي”.

ويشير الفيلي إلى أنه “إضافة لذلك فإن السوداني يمتلك رؤية متقدمة في قراءة الواقع السياسي للبلاد وطبيعة المؤثرات الأمريكية على العراق بوصفها عاصمة للقرار المالي في العالم. وكذلك قدرتها على حماية ودعم العملية السياسية وهو ما يفرض عليه قراءة الواقع وفق منطق المصلحة الوطنية وسيادة القرار المؤسساتي”.

وينوه الفيلي خلال حديث لـ”العين الإخبارية”، إلى أن “بعضاً من الفصائل المسلحة المنضوية تحت قوى الإطار التنسيقي وحتى إن واجهت ضغوطاً إيرانية إلا أنها لا تريد لتلك الحكومة أن تتقاطع مع الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بضرورة إنجاح الحكومة الحالية بزعم أن فشلها ينسحب على جميع المكون السياسي فضلاً عن قضايا تتعلق بالاقتصاد من بينها مسألة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي وهو أمر قد يثير غضب العراقيين إذا ما استمر بالتصاعد والارتفاع وابتلاع العملة المحلية”.

 وكانت قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش أعلنت أواخر 2021، انسحابها التام من العراق والتحول من المهام القتالية إلى الأدوار التدريبة والاستشارية بينهم نحو 2000 جندي أمريكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى