العراق يستثمر نفطه: الأمريكيون على خريطة حقل القرنة وسط جدل سياسي
قالت وزارة النفط العراقية إنها دعت عدة شركات نفط أميركية للدخول في مفاوضات لتولي إدارة حقل غرب القرنة 2 النفطي، مضيفة أنها تسعى إلى نقل إدارة الحقل إلى إحدى الشركات من خلال مناقصة تنافسية، بما يتماشى مع اللوائح الحالية لتطوير حقول النفط.
ويمثل هذا الإعلان أحد أهم الإشارات الجديدة في مسار العلاقات العراقية–الأميركية، خاصة في ضوء التحولات التي تشهدها سوق الطاقة العالمية، وتوازنات النفوذ الإقليمي، والجدل المستمر حول مستقبل الشراكة الاقتصادية والأمنية بين بغداد وواشنطن.
وقد أكدت الوزارة أن الدعوة تأتي في إطار مناقصة تنافسية تهدف لنقل إدارة الحقل إلى شركة أميركية تتولى تطويره وفق اللوائح الحالية لقطاع النفط العراقي. وعلى الرغم من أن الإعلان يبدو تقنياً في ظاهره، إلا أنه يحمل دلالات سياسية واقتصادية تعكس رغبة بغداد في إعادة صياغة علاقتها بالطاقة والاستثمار الأجنبي، واستعادة موقعها في سوق النفط العالمي عبر شراكات مستقرة وذات تقنية عالية.
ويُعد الحقل أحد أكبر الحقول في العراق والعالم، بمخزون يقدّر بعشرات المليارات من البراميل، وكان لسنوات طويلة محوراً لتنافس شركات النفط العالمية الكبرى. ورغم أن شركات روسية وآسيوية لعبت أدواراً بارزة في تطويره سابقاً، إلا أن توجه بغداد اليوم نحو الشركات الأميركية يعكس رغبتها في: تنويع الشركاء الدوليين بعيداً عن الاحتكار أحادي الاتجاه والاستفادة من التكنولوجيا الأميركية المتقدمة في الصناعة النفطية وتعزيز الثقة الدولية في بيئة الاستثمار العراقية وتسريع عمليات تطوير الحقول العملاقة في ظل احتياجات اقتصادية متزايدة.
وتأتي الخطوة في لحظة سياسية حساسة تمر بها العلاقات العراقية–الأميركية. فعلى الرغم من استمرار الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، فإن قضايا مثل مستقبل القوات الأميركية والضغوط الإيرانية والانقسامات الداخلية العراقية، تجعل أي قرار اقتصادي كبير محمّلاً بأبعاد سياسية.
ويقرأ مراقبون دعوة شركات أميركية لهذا الحقل بالتحديد باعتبارها رسالة من بغداد بأنها لا ترغب في قطع خطوط التواصل مع واشنطن، وبأن العلاقة الاقتصادية يمكن أن تكون مساحة للتفاهم رغم التعقيدات الأمنية.
كما أن الحكومة العراقية تحاول على ما يبدو إعادة التوازن بين الشركاء الدوليين، بعد سنوات مالت فيها الكفة لصالح الشركات الروسية والصينية، خصوصاً في جنوب العراق.
ويعاني الاقتصاد العراقي من اعتماد شبه كامل على النفط، وهو ما يجعل تطوير الحقول العملاقة ضرورة حيوية لزيادة الإنتاج والقدرة التصديرية.
وتأتي هذه الدعوة في وقت تحتاج فيه بغداد إلى: رفع الإيرادات لمواجهة العجز المالي وتمويل مشاريع البنية التحتية ودعم العملة وتثبيت الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص عمل في المحافظات المنتجة للنفط.
وتتمتع الشركات الأميركية بخبرة طويلة في إدارة الحقول المعقدة، إضافة إلى قدراتها على إدخال تقنيات الاستخراج المعزز، ما قد يرفع الإنتاج ويقلل الهدر المالي والزمني.
وتزامن الدعوة مع التوتر في ملفات إقليمية كالعلاقة مع إيران، والتحولات في سوق النفط، يعطي القرار بعداً إضافياً، فالعراق يسعى لإيصال رسالة بأنه لا يقع بالكامل ضمن محور سياسي واحد، وأنه قادر على بناء شراكات متعددة الاتجاهات، بما فيها شراكة اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة.
وتبدو دعوة شركات أميركية لإدارة حقل غرب القرنة 2 خطوة اقتصادية مهمة، لكنها في الحقيقة جزء من عملية إعادة تموضع سياسي واقتصادي أوسع تحاول بغداد من خلالها تحقيق توازن صعب بين الداخل والخارج، وبين حاجاتها الاقتصادية والتزاماتها الإقليمية، وبين الضغوط الأميركية والنفوذ الإيراني.
وإذا نجحت الخطوة، فقد تشكّل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات العراقية–الأميركية قوامها التعاون الاقتصادي وتنويع الشراكات بعيداً عن منطق الأزمات.
