اخترنا لكم

العودة الأمريكية الفضفاضة إلى المنطقة

بهاء العوام


يخرج وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن ليعلن الخطوط العامة لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لا يوجد بينها ما يخالف التوقعات، ولا تحمل ما يدفع إلى التفاؤل أو التشاؤم، فلا تزال الدول المعنية تحتاج إلى مزيد من التوضيح، أو أن الأقنية الأمنية والدبلوماسية تتكفل كالعادة بشرح ما بين السطور.

العنوان الأبرز لسياسة الرئيس جو بايدن الخارجية هو تخليه عن شعار “أمريكا أولا” الذي تبناه سلفه دونالد ترامب، ليس بصيغة تفضيل مصالح الخارج على الداخل، وإنما بانتزاع مصالح واشنطن دون ضوضاء، لطالما كانت القوة بكل أنواعها المحددة الرئيسية لسياسة البيت الأبيض منذ أصبحت الولايات المتحدة القطب الأقوى حول العالم، ولكن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي شذ عن القاعدة ومارسها بأسلوبه، إن جاز التعبير.

ما هو غير واضح في السياسة المعلنة هو اللاموقف الذي تتبناه أمريكا تجاه مجمل قضايا وأزمات المنطقة، استعرض وزير الخارجية مواقف بلاده مما يجري بعين صحفي حيادي وكأن لسان حاله يقول إننا لا نؤيد غلق أي من الملفات الآن، أو على الأقل لا نزال في طور دراسة موقفنا تجاه كل ما يعيشه الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما، باختصار شديد تكلم الوزير فازدادت خطط الولايات المتحدة وسياساتها غموضا.

لا يبدو أن بايدن سيتخلى عن إسرائيل، ولا عن مسار السلام الذي بدأه ترامب بينها وبين العرب، وهذا يؤكد أن الرغبة الأمريكية بصياغة تحالفات جديدة في المنطقة هي خطة استراتيجية وليست تكتيكية، لا تقول الإدارة الأمريكية الجديدة إن السلام في المنطقة عليه أن ينتظر إلى حين حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفق حدود سبعة وستين، هي تؤيد حل الدولتين فقط دون أي أدوات تعريف أو ثوابت، ولا أحد يستبعد أن يتبنى بايدن صفقة ترامب مع بعض التعديلات الطفيفة، فقط لنسب الأمر إلى نفسه، فيكون هو بطل السلام وصاحب الفضل في حل أقدم قضايا الشرق الأوسط في تاريخ المنطقة الحديث.

يطالب الأمريكيون الروس والأتراك بمغادرة ليبيا فوراً، لا يقولون ماذا سيترتب على ذلك، وما الذي يخططون له هناك، هم إعلاميا يعولون على توصل الحراك السياسي الليبي إلى إنهاء الأزمة في البلاد، ولكنهم يدركون تماماً أن الأيادي الخارجية هناك قد تماطل وتعرقل تنفيذ أي حل ممكن، إن لم تأخذ الولايات المتحدة موقفا إجرائيا منفرداً، أو تدعم المساعي الأوروبية والعربية لحل الأزمة تحت مظلة الأمم المتحدة.

ما تمخض عن اتصال بايدن مع فلاديمير بوتين قبل أيام، يقول إن واشنطن تركت جميع ملفات المنطقة مفتوحة مع موسكو، أراد الرئيس الأمريكي أن يعلم نظيره الروسي بقدومه فمدد معه معاهدة “نيو ستارت”، وطالبه بالإفراج عن المعارض أليكسي نافالني، أما بقية القضايا العالقة بين الدولتين فيبدو أن الاتصال مر عليها فقط من باب التعداد والتذكير، وليس من مبدأ فتح أبواب الحوار الجدي للوصول إلى حلول لها.

ملامح العلاقة الأمريكية الجديدة مع روسيا تبدو غامضة كتلك العلاقة التي تجمع واشنطن وأنقرة حالياً، لا تحب إدارة بايدن الرئيس رجب طيب أردوغان كما كانت الإدارة السابقة، ولكن ذلك لا يعني أنها حسمت أمرها لتعاقبه على أنشطته التوسعية، كما تخطط لفعل ذلك إزاء تمرده على حلف الناتو في شراء صواريخ “إس 400” الروسية، وهذا ما يعني مرة أخرى أن إدارة بايدن اختارت اللاوضوح في سياستها الخارجية.

ذات الأمر تجده في العلاقة مع إيران أيضاً، فقبل أيام كانت إدارة الرئيس بايدن تقول إن الاتفاق النووي مع طهران لم يعد كافيا، وبرنامجها الصاروخي إضافة إلى نشاطها العدائي في المنطقة يجب أن يكونا على طاولة أي مفاوضات مقبلة بين الغرب والخمينيين، أما اليوم فتطالب واشنطن طهران فقط بالعودة إلى بنود الاتفاق كي تعود هي إليه، ولكن الإيرانيين يرفضون ويشترطون رفع العقوبات الأمريكية أولاً.

لا تدين إدارة بايدن بشكل واضح هيمنة إيران على أربع دول عربية، وواقع الحال أنها لا تبدو مكترثة كثيرا لما يجري في هذه الدول، لا تحمل خططا لإنهاء الأزمة السورية الممتدة منذ عشر سنوات، ولا تكترث إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية في لبنان رغم اشتعال الاحتجاجات فيه، كما أنها لا تستعجل خروج العراق من دوامة المليشيات التي تكن الولاء لطهران، ومن أجلها تستهدف السفارة الأمريكية في بغداد.

لا ترغب إدارة بايدن باستمرار الحرب في اليمن، وهي تعلق تصنيف الانقلابيين على قوائم الإرهاب، وفي الوقت ذاته تعترف بمتانة التحالف العسكري لواشنطن مع الرياض التي تدافع عن الحكومة الشرعية في اليمن، أما النتيجة الوحيدة لهذا فهي إضفاء مزيد من الضبابية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال العهد الديمقراطي الجديد للبيت الأبيض.

وليس من قبيل المبالغة أبدا القول إن جميع دول المنطقة العربية وجوارها الإقليمي تعيش ذات الدوامة في العودة الفضفاضة للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا أحد يملك الإجابة عن أبسط الأسئلة، وبينما يتوقع البعض مزيداً من الوضوح مع إقرار الكونجرس لأعضاء فريق إدارة بايدن، وانتهاء البيت الأبيض من ترتيبات محاربة كورونا ولملمة بعض الأوراق الداخلية ذات الأهمية، يراهن آخرون على أن عهد بايدن سيبقى في السنوات الأربع المقبلة هلالاً لا يكتمل بدرا، ولا يغيّبه خسوف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى