اخترنا لكم

المئة يوم الأولى من إدارة بايدن

د. علي الدين هلال


جرت العادة في الولايات المتحدة أنه بعد نهاية المئة يوم الأولى من حكم أي رئيس جديد أن يتوقف المحللون لبحث ما تَحقَّق فيها وتقييمه.

باعتبار أن هذه الفترة تعطي إشارات عن توجهات الإدارة الجديدة وأولوياتها وقدرتها على طرح الأفكار والسياسات الجديدة التي تتبناها، بل وعادةً ما يُلقي الرئيس خطاباً بهذه المناسبة يستعرض فيه ما أنجزه وما ينوي القيام به.

ويعود هذا التقليد إلى فترة حكم الرئيس فرانكلين روزفلت الذي تولى الحكم عام 1933 وسط ظروف أزمة الكساد الاقتصادي العالمي وقام بالتحرك سريعاً لمواجهة آثارها. وتحدَّث إلى الأمريكيين من خلال الإذاعة عما تَحقَّق في نهاية المئة يوم الأولى من حكمه.

لذلك، فعندما اكتملت المئة يوم الأولى من إدارة بايدن يوم الأربعاء 28 إبريل 2021،تم إجراء عدد من استطلاعات الرأي لقياس مدى رضاء الأمريكيين عن أداء رئيسهم وأصبحت هذه المناسبة موضوعاً للمقالات الصحفية والبرامج التلفزيونية.

كشفت استطلاعات الرأي العام عن موافقة أكثر من نصف المُستجوَبين عن أداء الرئيس، وتراوحت ما بين 53% و58% وهي نسب عالية لم يحققها سلفه الرئيس ترامب في أي استطلاع خلال سنوات حكمه الأربعة. وتزداد دلالة هذه النسبة بالنظر إلى حالة الانقسام السياسي بل والاستقطاب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. مما يعني أن قِطاعاً من أنصار الحزب الجمهوري راضون عن أداء الرئيس الديمقراطي.

من الواضح أن أكبر إنجاز للإدارة الجديدة كان في مجال مكافحة وباء كورونا. فخلال المئة يوم الأولى، تم تطعيم ثلثي عدد البالغين باللقاح. وأوفى بايدن بتعهُّد تطعيم 200 مليون أمريكي في هذه الفترة.

وتلى ذلك نجاح إدارته في تمرير قانون للتحفيز الاقتصادي بمبلغ 1.9 تريليون دولار والذي كفل إرسال ملايين شيكات الدعم المالي إلى الأمريكيين الذين تضرروا اقتصادياً من الوباء. وهو القانون الذي تمت الموافقة عليه في مجلس الشيوخ بأصوات الأعضاء من الحزب الديمقراطي فقط بينما لم يُصوِّت له أي عضو من الحزب الجمهوري.

وهناك أيضاً الرؤية الاستراتيجية التي طرحها بايدن لبعث الحيوية في الاقتصاد الأمريكي، وتهدف إلى إحياء البنية المادية التحتية لأمريكا من طرق ومطارات وموانئ وسكك حديد وجسور، والاستثمار في البحث العلمي. وكان بايدن صريحاً عند إعلانه لهذا البرنامج محذراً من أن أمريكا قد تخلَّفت في بنيتها التحتية بسبب ضعف الاستثمارات الموجهة إليها. وأشار إلى أن الصين تُوجِّه مبالغ هائلة للاستثمار في البحث العلمي وأن هناك خطرا حقيقيا في أن تخسر واشنطن السباق مع بكين ما لم تستثمر أكثر في مراكز بحوثها.

في المُقابل، كانت أقل نسب التأييد للإدارة الجديدة هي في تعاملها مع قضية المهاجرين غير الشرعيين على الحدود مع المكسيك.

أشار بايدن في خطابه الذي ألقاه في هذه المناسبة إلى ما حققته إدارته، وطرح خطة طموحة لاستكمال إصلاح البيت الأمريكي من الداخل بتمويل يصل إلى 2.25 تريليون دولار لدعم البنية التحتية البشرية في مجالات التعليم والصحة ورعاية الأسرة والأطفال. وتهدف خطته إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل، وخفض الفقر بين الأطفال بنسبة 50%، والتوسع في خطة أوباما للرعاية الصحية، وتبنِّي محفزات اقتصادية تفوق ضعف ما تبنَّاه الكونجرس عام 2009 في عهد الرئيس أوباما إبان الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم وقتذاك.

لقد كشفت المئة يوم الأولى عن وجه جديد لبايدن وهو يُمسك زمام عجلة القيادة، فأصدر مجموعة من الأوامر التنفيذية في الأسبوع الأول من حكمه للوفاء بالتعهدات التي التزم بها في حملته الانتخابية، كوقف العمل في الحائط على الحدود مع المكسيك، وإلغاء منع إصدار تأشيرات دخول لعدد من رعايا الدول ذات الأغلبية المسلمة، وإعادة عضوية أمريكا إلى اتفاقية باريس بشأن المناخ.

وأعقب ذلك إعادة عضويتها إلى منظمة الصحة العالمية، كما استأنف تقديم المساعدات إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ورفع الحد الأقصى لتأشيرات الهجرة إلى أمريكا من 15 ألفا إلى 125 ألفا سنوياً، واتخذ إجراءات لتقليل انبعاث الغازات المُلوثة للبيئة، وقام بمد أجل سداد القروض المقدَّمة للطلاب الجامعيين، وأصدر بياناً بشأن الاعتراف بمذابح الأرمن التي حدثت عام 1915 في عهد الدولة العثمانية.

وبسبب الخلافات العميقة في توجهاته مع ترامب، يحتل بايدن المرتبة الأولى في إلغاء القرارات والأوامر التنفيذية التي صدرت في عهد سلفه مقارنة بجميع الرؤساء الأمريكيين السابقين.

والخُلاصة، أن ما شاهده الأمريكيون والعالم في المئة يوم الأولى لم يكُن صورة “جو النائم” كما وصفه ترامب بل الرئيس اليقظ صاحب الرؤية الاستراتيجية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي وإعادة تشغيله وتحفيز معدلات نموه، وإعادة اللُحمة بين مكونات المجتمع الأمريكي وتمثيلها في المناصب العُليا في إدارته، واستخدام خطاب سياسي معتدل يقوم على مفردات التسامح والتعاون وبث الثقة المتبادَلة، وإحياء الدور العالمي للولايات المتحدة في الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى