دُعي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الأحد الماضي، لحضور قمة دول الجوار العراقي.
هذه الدعوة لسموه تؤكد مكانة دولة الإمارات وأهميتها في استقرار العراق الشقيق، كما أن الدعوة للقمة، المقرر عقدها نهاية الشهر الجاري، تُفهم المراقب طبيعة العلاقة التاريخية التي تربط الإمارات والعراق وشعبيهما بأوثق الروابط التاريخية، والتي بيّنها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارة رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، إلى الإمارات مؤخرا، مؤكدا مساندته العراق ولخطوات حكومته الرامية إلى الإصلاح وانتهاج سياسة الحوار لتحقيق الاستقرار في العراق الشقيق، والمنطقة عموما.
باستطاعتنا أن نصف استضافة بغداد لقمة عربية-إقليمية-دولية بأنها خطوة أخرى جديدة وشجاعة يقوم بها رئيس الوزراء العراقي منذ توليه منصبه قبل عام ونصف العام.
وليس سراً أن العراق يعاني من رغبة بعض الأطراف في السيطرة على مقدراته والتحكم في سياساته باتجاه مصالحها وأهدافها، ولهذه الأطراف أذرع ووكلاء داخل العراق يتربصون برئيس الحكومة العراقية، بعد أن بدت سياساته تتجه نحو استقلالية القرار العراقي وبناء الدولة على أساس المواطنة لا الطائفية والهويات الضيقة.
سبق للعراق أن خطا خطوات لإحياء روابطه العربية والاندماج مجدداً في عمقه العربي، خصوصاً فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ثم توسيع دائرة التفاهم الإقليمي لتشمل صيغاً من التعاون الاقتصادي والتنموي مع كل من الأردن ومصر.
والواضح أن العراق يريد قطع أشواط إضافية في هذا الاتجاه، وبسرعة أكبر وبنتائج أوسع نطاقاً.
فكما كانت عين العراق في حركته الإقليمية خلال العامين الماضيين على التنمية والاقتصاد كأوجه تعاون متبادلة ومشتركة، فإن الأجندة المعلنة للقمة المزمع عقدها خلال الأيام القادمة تشير إلى التمسك بهذا التوجه والرغبة في تسريع وتيرته.
لكن لا بد من الإقرار بأن هذه التحركات من جانب رئيس الحكومة العراقية ليست من قبيل الرفاهية السياسية، بل على العكس، فأمام العراق تحديات وصعوبات، ربما هي التي فرضت على الرجل السعي بأقصى قوة في كل الاتجاهات لمواجهتها وتطويق ضغوطها المتزايدة على العراقيين.
ولفهم أبعاد تلك القمة ومفاتيح نجاحها، لا بد من إدراك أن “الكاظمي” يحاول تأمين معادلة إقليمية مستقرة تسمح للعراق بالمضي قدماً في طريق بناء دولة مستقلة، ولا يمكن لتلك المعادلة أن تتحقق إلا بتوافق القوى والأطراف المعنية بالشأن العراقي وليست المنخرطة مباشرة فيه فقط.
ويبدو الساسة العراقيون على وعي بأن مقومات نجاح هذه الخطوة تتطلب بدورها مشاركة أي قوة أو طرف يملك تأثيراً وحضوراً في الوضع الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، ومن هنا جاءت دعوة دول من خارج المنطقة للمشاركة، مثل فرنسا والولايات المتحدة.
لا شك أن مستقبل الشعب العراقي وتأمين بيئة مواتية لتحقيق استقرار ومصالح وأمن العراق هي العناوين الأولى على أجندة القمة المقبلة، حيث يتيح اجتماع الدول المعنية وجهاً لوجه طرح كل منها هواجسها وطلباتها وتقديم ما لديها من ملاحظات، فيكون النقاش والحوار مباشرا وصريحا.
ورغم صعوبة وتداخل الملفات، التي ستضمها القمة، وتعدد مستويات وأدوات التأثير فيها والتقاطع بين مصالح دول المنطقة بشأنها، فإن قبول المشاركة يمثل بذاته إشارة مهمة للاستعداد لإجراء حوار بناء والتوصل إلى صيغ، ولو مبدئية، لحلول وتفاهمات.
وسيكون إنجازاً عظيماً يحسب لكل الأطراف المشاركة، وليس العراق وحده، إذا تمكن المجتمعون من الاتفاق على تحييد العراق وإخراجه من معادلات التصارع والتنافس الإقليمي، فلا يتحول إلى ساحة تصفية حسابات ولا إلى منصة لتناحر أطراف أخرى.
الفوائد المأمولة من القمة ليست عراقية فقط، بل إن الدول العربية المشاركة أيضاً ستكون مستفيدة على أكثر من مستوى.
فاستقرار العراق واستتباب أمنه وتحقيق مصالح شعبه أمور تصب مباشرة في صالح الأمن العربي الجماعي، فضلاً عن الفوائد والعوائد المحددة التي ستستفيد منها الدول العربية، كل على حدة، في مجالات متعددة عبر تأسيس أرضية قوية داعمة للتعاون مع بغداد.
تركيا وإيران فقط هما الدولتان اللتان قد لا يكون انعقاد القمة في صالحهما من حيث المبدأ، فالسياسة العراقية المستقلة واستقرار الداخل العراقي والتعاون مع الدول العربية، كلها لا تصب في صالح حساباتهما.
وسواء خرجت القمة بنتائج محددة وسريعة أو اقتصرت على المصارحة وتبادل المواقف، فإن مجرد انعقادها يمثل خطوة مهمة وعملية لحلحلة المواقف ومراجعة الحسابات، وهو أمر مطلوب ومهم بحد ذاته في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتاريخ العراق.