الملف العالق يوشك على الانتهاء: العراق يخطو خطوات عملية تجاه أسرى داعش
يقترب العراق من حسم واحدة من أكثر القضايا تعقيدا منذ انتهاء الحرب على تنظيم داعش، مع إعلان مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي عزم الحكومة إعادة جميع الأسر العراقية المتبقية في مخيم الهول السوري خلال الأشهر الستة المقبلة.
ويشكل هذا التصريح أحدث إشارة إلى تسارع رسمي في إغلاق ملف طالما اعتُبر من أكبر التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه الدولة العراقية منذ 2017.
وأوضح الأعرجي أن الحكومة نقلت قبل أيام الوجبة الحادية والثلاثين من عائلات المخيم، مشيرا إلى أن عدد المتبقين بات “قليلاً جدا” مقارنة بالدفعات السابقة، وهو ما يعكس تقدماً ملحوظاً في تنفيذ خطة بغداد لإعادة مواطنيها. ويأتي هذا التسارع بعد سنوات من العمل المشترك بين العراق والمنظمات الدولية، في إطار استراتيجية تهدف إلى معالجة إرث داعش وفصل الجانب الإنساني عن التحديات الأمنية المرتبطة بالعائدين.
ويمثل التوجه العراقي نحو إنهاء ملف الهول مزيجا من الاعتبارات الأمنية والإنسانية والسياسية، فمن ناحية، تشدد الأجهزة الأمنية على أن ترك عراقيين داخل المخيم، الذي يوصف بأنه “أخطر مخيم في العالم”، يشكل مصدر تهديد مستمر، إذ يضم نساءً وأطفالاً عاشوا في بيئة يغلب عليها التطرف، مع محدودية الرقابة الفعلية داخل المخيم وارتفاع مستويات الجريمة والانتهاكات.
ومن ناحية أخرى، ترى بغداد أن إبقاء آلاف العراقيين في هذا المخيم تحت سيطرة قوات غير حكومية يرسخ تبعات أمنية وسياسية، فيما يتعارض مع سيادة الدولة وقدرتها على إدارة ملف مواطنيها. لذلك، تحاول الحكومة إنهاء هذا الملف ضمن جدول زمني ضاغط، بالتوازي مع الترتيب لمرحلة ما بعد العودة عبر برامج إعادة تأهيل وإدماج اجتماعي ونفسي تُعَدّ مسبقاً في مخيم الجدعة بمحافظة نينوى.
وتظهر الأرقام الصادرة خلال الأشهر الماضية مسارا تصاعديا في عمليات الإعادة، فقد غادرت في أغسطس/اب الماضي 232 أسرة تضم 850 شخصاً المخيم باتجاه العراق، بينما غادرت في يوليو/تموز الرحلة العاشرة لهذا العام والتي شملت 233 أسرة بعدد 812 شخصاً. وفي يونيو/حزيران نُقلت أكبر دفعة منذ بدء العمل بالخطة عام 2021، وشملت 935 شخصاً موزعين على 236 أسرة. كما غادرت في منتصف أبريل/نيسان 241 أسرة يبلغ عدد أفرادها 865 شخصاً.
وتشير هذه الوتيرة إلى أن بغداد تسابق الزمن لإنهاء وجود أي عراقي في الهول، بما يعبّد الطريق لإغلاق المخيم أمام العراقيين نهائياً، وهي خطوة وصفها الأعرجي بأنها تمثل “أولوية” للحكومة.
ورغم التقدم الحكومي، يبقى ملف إعادة دمج العائدين هو العقدة الأبرز، فالمسؤولون العراقيون يؤكدون أن العملية لا تقتصر على النقل الجغرافي، بل تشمل إعداد برامج إعادة تأهيل اجتماعية ونفسية ومرحلة متابعة لاحقة تهدف إلى تفكيك أي رواسب أيديولوجية مرتبطة بالتطرف. وتتم هذه البرامج في مخيم الجدعة، الذي أصبح مركزا محوريا في استراتيجية الحكومة لإعادة الإدماج.
لكن فاعلية هذه البرامج ما تزال موضع جدل، خصوصاً أن شريحة واسعة من العائدين تضم أطفالاً نشأوا في بيئة مشحونة بالعنف والانغلاق، إضافة إلى نساء يُشتبه بارتباط بعضهن بتنظيم داعش. ومن هنا، تواجه الحكومة تحدياً مزدوجاً: حماية المجتمع من أي تهديد محتمل، وفي الوقت نفسه التعامل مع ملف إنساني يضم آلاف المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في دائرة الحرب.
ولا تزال الاعتراضات المحلية، خصوصا من عائلات ضحايا داعش في نينوى، حاضرة بقوة، إذ يبدي كثيرون تخوفهم من إعادة إدماج هذه العائلات في مجتمعاتهم المحلية، معتبرين أن الخطر لا يتعلق فقط بالجانب الأمني، بل أيضاً بذاكرة الألم التي خلفها التنظيم، وصعوبة تقبّل عودة عائلات يُنظر إليها بحق أو بغير حق، كطرف ارتبط بأحد أكثر فصول التاريخ العراقي دموية.
هذه الاعتراضات، وإن كانت مفهومة ضمن السياق الاجتماعي، تعكس مدى تعقيد ملف الهول، حيث يتداخل الأمني مع الاجتماعي والنفسي، وتتعقّد عملية المصالحة المجتمعية التي تُعد شرطاً ضرورياً لنجاح أي خطة إعادة دمج.
وتحاول الحكومة العراقية اليوم إغلاق صفحة الهول عبر مقاربة تجمع بين أمن الدولة ومتطلبات التعامل مع ملف إنساني حساس. وبينما تعلن بغداد أنها ستُنهي وجود أي عراقي في المخيم خلال ستة أشهر، فإن النجاح الحقيقي سيرتبط بقدرتها على إدارة مرحلة ما بعد العودة، وتوفير ضمانات لعدم عودة التطرف، وتحقيق توازن صعب بين مقتضيات الأمن وحقوق العائلات، وبين ذاكرة المجتمع ومتطلبات المستقبل.
