الملف المائي يجمع الفرقاء… الصدر يساند السوداني في حواره مع تركيا

في ظل تفاقم أزمة المياه التي تواجهها البلاد، وجّه زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر دعوة صريحة للجهات الحكومية المختصة بضرورة الشروع بحوار جاد مع تركيا، من أجل معالجة النقص الحاد في الإطلاقات المائية ما يكشف دعمه لجهود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الحالية لتعزيز التنسيق مع أنقرة في الملف. الدعوة تأتي في وقت تتسارع فيه مؤشرات الجفاف وتراجع المخزون المائي، ما يهدد العراق بأزمة بيئية وإنسانية غير مسبوقة.
وفي منشور نشره عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، يوم الأربعاء، أشار الصدر إلى أن أزمة المياه العالمية لم تعد بعيدة عن العراق، بل باتت واقعًا ملموسًا، مع دق ناقوس الخطر إثر الانخفاض المستمر في معدلات الأمطار وتقلص جريان الأنهار، إضافة إلى تراجع المخزون المائي الاستراتيجي.
وأكد أن تفاقم هذه الأزمة يتطلب تحركًا سريعًا من الجهات المختصة، داعيًا إلى سلسلة من الإجراءات العاجلة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، شدد على أهمية بناء سدود جديدة في مواقع استراتيجية، وإنشاء مخازن مائية لتعزيز القدرة على مواجهة فترات الشح، إلى جانب اعتماد تقنيات تحلية المياه لأغراض الشرب، وتشجيع اللجوء إلى الآبار لأغراض الري الزراعي.
كما شدد على ضرورة ترشيد استهلاك المياه، مشيرًا إلى أهمية اتخاذ إجراءات قانونية بحق الأفراد أو الجهات التي تهدر هذا المورد الحيوي، في ظل الظرف الحرج الذي تمر به البلاد.
وفي إطار رؤيته لمعالجة الأزمة، دعا الصدر إلى فتح قنوات تواصل مباشرة مع الجارة تركيا، لحثّها على زيادة الحصص المائية المخصصة للعراق عبر نهري دجلة والفرات. هذه الدعوة حملت في طياتها دعمًا ضمنيًا لتوجهات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يُعرف بانتهاجه سياسة انفتاح وتفاهم مع أنقرة بخصوص ملف المياه، بعيدًا عن التوترات والاصطفافات السياسية.
وفي ختام بيانه، حذر من خطورة التأخير في اتخاذ الخطوات اللازمة، معتبرًا أن التقاعس عن التحرك قد يؤدي إلى تبعات صحية وزراعية واقتصادية جسيمة، لن يكون الشعب العراقي بمنأى عنها. كما أشار إلى إمكانية تصاعد التوترات الإقليمية حول هذا الملف، ما قد يلقي بظلاله على العراق ويزيد من تعقيد الوضع، في حال غياب التنسيق الفاعل.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) September 17, 2025
ويأتي التحذير في وقت تزداد فيه مؤشرات الجفاف في البلاد، حيث شهد العراق انخفاضًا قياسيًا في مناسيب نهري دجلة والفرات، بالتوازي مع تراجع ملحوظ في معدلات الأمطار خلال السنوات القليلة الماضية. ووفق ما أكدته وزارة الموارد المائية، فإن عام 2025 مرشح ليكون الأشد جفافًا منذ عام 1933، بسبب شح الإطلاقات المائية من دول الجوار، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي المتسارعة.
وقد أشارت الوزارة في تقاريرها الأخيرة إلى أن استمرار بناء السدود من قبل كل من تركيا وإيران، وتحويل مجرى بعض الروافد النهرية، أسهم بشكل مباشر في انخفاض الإمدادات المائية، ما أثّر سلبًا على الزراعة ومصادر مياه الشرب في عدد من المحافظات.
وسعى رئيس الوزراء العراقي في الاشهر الأخيرة لتعزيز التنسيق والتعاون مع الجانب التركي لتسوية الخلافات بشأن ملف المياه حيث تشير مصادر لوجود توافقات عديدة لتسوية الملف قريبا مع حالة من التقارب بين البلدين.
وكان الصدر قد أطلق في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري دعوة مماثلة بخصوص حماية المياه العراقية من التلوث، مؤكدًا على ضرورة إخراج هذا الملف من دائرة المهاترات السياسية والتسقيط الإعلامي، في إشارة إلى أهمية معالجته كأولوية وطنية بعيدًا عن الخلافات الحزبية.
وتتوافق هذه الدعوات مع تقارير دولية تُبرز هشاشة الوضع البيئي في العراق. فبحسب منظمة الأمم المتحدة، يُعد العراق من بين أكثر خمس دول عرضة لتأثيرات التغير المناخي. وأشار البنك الدولي في تقريره الصادر أواخر 2022 إلى أن البلاد تحتاج إلى استثمارات تقدر بنحو 233 مليار دولار بحلول عام 2040، لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق نمو اقتصادي “أخضر وشامل”.
من جهته، أشار مركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق إلى أن التغير المناخي تسبب في فقدان نحو 30 في المائة من الأراضي الزراعية المنتجة خلال العقود الثلاثة الماضية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في البلاد.
وفي السياق ذاته، يرى مراقبون أن دعوة الصدر للحوار مع تركيا تعكس رغبة في دعم التوجه الحكومي القائم على تعزيز التعاون الإقليمي لمعالجة الملفات الحساسة. وتُعد هذه الإشارات بمثابة غطاء سياسي إضافي للجهود التي يقودها رئيس الوزراء السوداني في سبيل التوصل إلى تفاهمات مستدامة مع أنقرة بشأن تقاسم المياه، بعيدًا عن التصعيد أو الخطاب المتشنج.