ولهذا السبب، فمن المرجح أن تتراجع نسبة المشاركة في التصويت إلى ما دون الـ50%. وباستثناء تزوير الأرقام، وهو أمر مألوف في كل الأنظمة التي تخشى على “صورتها”، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة نفسها تشير إلى مستويات متدنية.
صحيفة “شرق” الإيرانية، على سبيل المثال، قالت، في تقرير نشرته الشهر الماضي، إن “استطلاعات رأي مختلفة تشير إلى أن أكثر من نصف الناخبين لا يرغبون في المشاركة بعملية الاقتراع”.
والمسألة لا تتعلق بأن المنافسة بين تيارين “إصلاحي” و”متشدد” هي مجرد منافسة وهمية لتيارين وهميين، وليس لأن المرشحين السبعة خرجوا من تحت عباءة الولي الفقيه، من خلال “مجلس صيانة الدستور” الخاضع كلياً لإرادته وتفضيلاته الشخصية، بل لأن منصب الرئيس نفسه لا نفع فيه. فهو مجرد موظف إداري لا يملك من الصلاحيات أو النفوذ ما يملكه قادة الحرس الثوري وأمثالهم.
الدستور الإيراني يحدد في مادته السادسة والعشرين بعد المئة، مسؤوليات الرئيس بأنه “يتولى أمور التخطيط والميزانية والأمور الإدارية والتوظيفية للبلاد بشكل مباشر ويمكن أن يوكل شخصاً آخر لإدارتها” فقط، أي أنه مجرد موظف بيروقراطي، لا سلطة له في صنع القرار السياسي ولا الأمني ولا الاستراتيجي. فهذه السلطات كلها موكلة، دستورياً أيضاً، إلى الولي الفقيه، وهو المنصب الذي لا يتردد الدستور في أن يصفه بأنه “ولي الأمر المطلق”. إذ ينص الدستور في مادته السابعة والخمسين على أن “السلطات الحاكمة فـي “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” هي: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف وليّ الأمر المطلق وإمام الأمة”، وعدا عن كونه القائد العام للقوات المسلحة ولكل التشكيلات العسكرية والأمنية المختلفة، فإنه هو الذي يحدد السياسات العامة وسبل تنفيذها، كما أنه هو الذي يتولى تعيين كبار المسؤولين، وبوسعه أن يعزل الرئيس من منصبه.
وعلى هذا الأساس، فلو كان لأي انتخابات أن تكون ذات معنى، فإنها يجب أن تكون لمنصب الولي الفقيه نفسه، إلا أن تعيين “ولي فقيه” يخضع لسلطة مجلس يدعى “مجلس خبراء القيادة”، ويتألف من 88 عضوا من رجال الدين، ويتم انتخابهم مرة كل 8 سنوات، ويتولى “مجلس صيانة الدستور” تحديد المرشحين له. وهو ما يعني أن الدائرة كلها تظل تدور، مثل المسبحة، بيد الولي الفقيه، لنفسه ولمن يليه.
والكل يعرف أن الرئيس الحالي حسن روحاني لم يكن هو الذي يقرر وجهة السلوك فيما يتصل بتطورات الملف النووي، وليس هو من يتخذ القرار بشأن الخروقات في الالتزامات المنصوصة فيه. ولا هو الذي يقود المفاوضات مع القوى الدولية المعنية بهذا الملف. وهو لا يتحكم بالموارد العامة للبلاد ولا سبل إنفاق العائدات التي تحصل عليها. وليس هو الذي يحرك المليشيات داخل إيران وخارجها، ولا هو الذي يقرر متى تُقصف مواقع القوات الأمريكية في العراق، أو من الذين يتم اغتيالهم هناك من نشطاء الحراك الشعبي، وليس هو من يقرر متى تقوم جماعة الحوثي بمهاجمة السعودية، وكل ما عليه هو أن يعمل على تنفيذ ما يُطلب منه لتسويق سياسات ليس هو من يصنعها، وترقيع انتهاكات وجرائم يتم فتقها بقرار صدر عن جهات أخرى.
وعلى الرغم من أن أجهزة خاضعة، من الناحية الإدارية، لسلطة الرئيس وبعض وزاراته، تمارس أعمالاً ذات طبيعة إرهابية، من قبيل الجريمة التي سعى أسد الله أسدي إلى تنفيذها في عام 2018 ضد مؤتمر للمعارضة الإيرانية في إحدى ضواحي باريس، فإن القرار بشأنها جاء من صاحب سلطة القرار نفسه الذي يتحكم بكل شيء. وكل ما بقي على موظفيه “البيروقراطيين” هو التستر على الجريمة وتسويقها وإيجاد المبررات لها، أو إيجاد المخارج لما قد ينشأ عنها من أزمات.
السؤال هو: ما الحاجة حقا إلى “رئيس” يلعب دور شاهد الزور؟
وبرغم كل “الصداع” الذي يحلو لبعض مؤسسات الإعلام الغربية أن تُصدّع رؤوس الناس به (لغاية في نفس يعقوب) عن وجود “صراعات” بين تيار “إصلاحي” وآخر “متشدد”، فهذه حتى وإن كانت “لعبة كراسي موسيقية” لتبادل الأدوار وممارسة الخداع، فإن الوقائع التي جسدتها رئاسة “الإصلاحي” حسن روحاني، تثبت أنها “صراعات” أوهام، على الأقل لأن “ولي الأمر المطلق” ظل هو نفسه. مرة يجلب هذا، وأخرى يجلب ذاك، لكي يناور بوجوه مختلفة، لتؤدي الغرض نفسه.
الإيرانيون يعرفون الآن، بعد كل ما مر بهم، من هو الفائز هذه المرة أيضاً. ويتساءلون: ما مبرر الذهاب إلى صناديق الاقتراع؟