انهيار معادلة القوة في السودان: هجليج بيد تأسيس وضغوط ترامب تكشف مأزق الإسلاميين داخل الجيش
المشهد السوداني شهد تحوّلاً جذرياً بعد سيطرة قوات تأسيس على حقل هجليج النفطي، الذي يمثل أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد في السودان وجنوب السودان على حد سواء. هذه السيطرة كشفت هشاشة الموقف العسكري لسلطة بورتسودان، وعجزها عن الدفاع عن أهم مصادر دخلها. فانسحاب الجيش والعاملين من الحقل دون مقاومة يعكس حجم القلق من احتمال إلحاق الضرر بالبنية التحتية التي قد يؤدي تدميرها إلى أزمة إقليمية. كما يعكس أيضاً تقدماً نوعياً لقوات تأسيس التي باتت تتحرك كقوة تمتلك القدرة على السيطرة على الموارد لا مجرد شن هجمات تكتيكية.
البيان الصادر عبر تيليغرام من قوات تأسيس يؤكد التزامها بحماية المنشأة، وهو خطاب موجّه للخارج بقدر ما هو موجه للداخل. فالقوة التي تسيطر على منشأة حساسة وتتعهد بحماية الإمدادات تحاول إرسال رسالة بأنها قادرة على العمل ضمن معايير دولة، مقابل سلطة فقدت السيطرة على أهم مورد استراتيجي. هذا الأمر يمنح قوات تأسيس نفوذاً جديداً في المشهد الاقتصادي والسياسي، بينما يضع سلطة بورتسودان أمام تراجع غير مسبوق في ميزان القوة.
في الوقت نفسه، أحدثت التقارير الأميركية تحولاً كبيراً في طريقة تعامل واشنطن مع الملف السوداني. فإعلان وزير الخارجية ماركو روبيو أن ترامب يتابع الملف شخصياً يشير إلى أن الإدارة الأميركية تعتبر السودان بوابة استراتيجية في صراع النفوذ في البحر الأحمر، ومسرحاً لمنافسة حادة بين الإمارات وروسيا من جهة، وبين القوى الغربية من جهة أخرى. الاختلاف بين واشنطن وجيش البرهان بات واضحاً، خصوصاً في مسألة الإسلاميين داخل الجيش، وفي رفض سلطة بورتسودان الجلوس على طاولة تضم الإمارات، وهو الرفض الذي تراه واشنطن عائقاً أمام أي حل شامل.
التوجه الأميركي لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية يجعل أي علاقة محتملة بين الجيش والإسلاميين عبئاً سياسياً. ومع وجود مؤشرات عدة على علاقة شبكات داخل الجيش بجهات إسلامية، تضغط واشنطن لإبعاد هذه العناصر. وهذا التوجه يلتقي مع الموقف الإماراتي، ما يزيد عزلة البرهان الذي يجد نفسه محاصراً دولياً بينما تتقدم قوات تأسيس ميدانياً.
التقرير الذي نشرته BBC حول الغارات الجوية يمثل صدمة إضافية تعزز هذا الضغط. فقتل 1700 مدني على الأقل باستخدام قنابل غير موجهة في مناطق مأهولة يكشف عن نمط خطير من الاستخدام العشوائي للقوة. هذا الرقم مرشح للارتفاع مع استمرار التحقيقات، ويضع الجيش في دائرة الاتهام الدولي بانتهاكات جسيمة قد تفتح الباب أمام مساءلة قانونية. ومع تراكم هذه الملفات، يصبح الجيش في موقع دفاعي على جميع الجبهات—ميدانياً وسياسياً وحقوقياً—بينما تحاول قوات تأسيس استثمار هذه اللحظة لتأكيد أنها القوة الأكثر قدرة على فرض معادلة جديدة داخل السودان.
