اخترنا لكم

“بايدن”.. جولة آسيوية ومواجهة صينية


تستدعي جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى آسيا، وقبلها ما عُرف بقمة “الآسيان”، طرح علامة استفهام: ماذا يريد بايدن من آسيا والآسيويين؟

أول ما يخطر على ذهن القارئ هو أن الجولة تأتي في توقيت صعب بالنسبة للرئيس “بايدن”، لا سيما وأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيته تتدهور بشكل غير مسبوق، فقد تراجعت في مايو/آيار الجاري إلى أدنى مستوياتها خلال فترة رئاسته.

الذين يوافقون على أداء “بايدن” من البالغين، والعهدة على مركز الأسوشييتدبرس، يتراوح عددهم بين 37 و39%، فيما 2 من كل 10 بالغين يرون أن البلاد لا تسير في الاتجاه الصحيح، أو أن الاقتصاد في حالة جيدة.

يلقي “بايدن” باللوم على الحرب الروسية-الأوكرانية، بل إنه يطلق على حالة التضخم، التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي “تضخم بوتين”.

غير أنه من اليسير على الأمريكيين إدراك ضعف إدارة الرئيس الأمريكي، وعدم مقدرتها على الإيفاء بوعودها، وفي المقدمة منها معالجة أزمة النسيج المجتمعي، الذي كاد أن يتمزق، عطفا على تبعات جائحة كوفيد-19، وأزمة الطاقة العالمية، وحالة الركود، وغالبيتها كانت قائمة قبل الحرب الأوكرانية.

يُخيّل للمرء أن الرئيس “بايدن” قد مضى قدما إلى شرق آسيا بحثا عن حلفائه القدامى، لا سيما في اليابان وكوريا الجنوبية، في محاولة لمحاصرة الدب الروسي، أو التوصل إلى صيغة ما لوقف إطلاق النار، واستنقاذ العالم من وهدة الجحيم الاقتصادي، الذي يعيشه، ولقطع الطريق على تطورات الأحداث، تلك التي يمكنها أن تقود إلى مواجهة نووية، والحال تغني عن السؤال، كما أن التصريحات على الجانبين الروسي والغربي تشي بذلك.

لكن الحقيقة مختلفة بالمرة، فروسيا عند صناع الاستراتيجية الأمريكية خاصة، وخطوط طول وعرض الناتو عامة، هدف تكتيكي، أما الغرض الاستراتيجي المُراد تطويقه وتحجيمه، فهو الصين.

المتابعون لشأن الأزمة الروسية-الأوكرانية يُدهشهم صبُّ الناتو للزيت على النار، ومحاولاتهم المستمرة والمستقرة لإبقاء الصراع بين موسكو وكييف دائرا، وربما إلى أجل طويل.

تغيب الدهشة حين ندرك أن هناك تصورا عميقا عند أصحاب استراتيجية “الاستدارة نحو آسيا”، تلك التي رسمها باراك أوباما وهيلاري كلينتون عام 2010، وغرضها الرئيس فصل الصين عن روسيا.

واليوم نرى ما يشبه الحلف الروسي-الصيني، لا سيما وأن الأخيرة تعلم تمام العلم أنه حال هزيمة روسيا في أوكرانيا، ستضحي وحيدة في الميدان في مواجهة العم سام.

في منتصف الشهر الجاري، وخلال أول قمة تعقد في واشنطن مع زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا، قال “بايدن” إنه “ستتم كتابة قدر كبير من تاريخ عالمنا في الخمسين عاما القادمة في دول آسيان”، وتعهد بإنفاق 150 مليون دولار على بنيتهم التحتية وأمنهم، واستعدادهم لمواجهة ما أطلق عليه “الأوبئة”، والجهود التي تهدف إلى مواجهة نفوذ الصين.

نائبة “بايدن”، كمالا هاريس، ربما كانت أكثر وضوحا ومباشرة، إذ أدلت بتصريحات أكدت فيها أن واشنطن تواجه تحديا من قبل الصين، لكنها ودول آسيان تشتركان في رؤية لهذه المنطقة، وأنهما سيعملان معا على الحماية من التهديدات للقواعد والأعراف الدولية.

على أن الثنائية الأمريكية التقليدية، أو ما نسميه تكافؤ الأضداد في الروح الأمريكية الواحدة من زمن جورج واشنطن، إلى أوان جو بايدن، كانت هناك.. لماذا وكيف؟

في مستهل زيارته لـ”سيؤول”، عاصمة كوريا الجنوبية، الحليف الأمريكي المهم، يصرح “بايدن” بأن التحالف مع دول “الآسيان” يعد أحد أعمدة السلام والاستقرار في العالم.

غير أن الموضع والموقع، الذي صدر منه التصريح، لا علاقة له بالسلم العالمي، فقد أطلق “بايدن” تصريحاته من قلب مصنع “سامسونج” الخاص بأشباه الموصلات، تلك التي تدخل في صناعة الأسلحة عالية التقنية، وبخاصة في هذا التوقيت، الذي يشهد فيه العالم نقصا ضمن التباطؤ العام لسلاسل الإمداد العالمية، والذي يهدد بتقويض التعافي الاقتصادي من وباء “كوفيد”.

في محطته الثانية في اليابان، بدا “بايدن” كأنه يسعى لإشعال العالم، فخلال مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، صرح بأن الصين “تلعب بالنار” بشأن تايوان، مؤكدا أن الولايات المتحدة “ستساعد في الدفاع عن تايوان ضد أي غزو صيني”.

لم يتأخر الرد الصيني، فقد حذرت بكين “بايدن” بأن عليه أن ينتبه في تصريحاته، فيما قال وزير خارجيتها إن “الاستراتيجية الأمريكية في آسيا محكوم عليها بالفشل”.

تعد مسألة تايوان واحدة من أهم وأخطر القضايا الحساسة العالقة بين واشنطن وبكين، ويتمثل جوهر الإشكالية في مبدأ “صين واحدة”، إذ يعتبر الصينيون أن تايوان جزء من الصين، وحكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة، التي تمثل الصين بأكملها.

يقول الرواة إن “بايدن” أحرج مستشاريه بهذا التعليق في هذا التوقيت الحرِج، حيث يكفي المواجهة المفتوحة مع الروس في أوكرانيا، والتي يمكن أن تنحدر إلى جُب الصراع النووي، ولهذا فما من فائدة ترجيه لفتح جبهة صراع، ولو سياسي، مع الصين.

لم يغِب عن عالم الاستخبارات الأمريكية، والعُهدة على وليام بيرنز، مديرها الجديد، والذي جدّد كالنسر شبابها، أن الصين تتابع عن كثب ما يجري في أوكرانيا، وستأخذ على الأرجح العبَر من هذا النزاع بشأن “التكاليف والتداعيات” لتكييف خططها المقبلة.

هل هي مواجهة تقليدية أم نووية أمريكية-صينية محتملة؟

تبدو كل السيناريوهات مفتوحة إلا ما رحم ربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى