تصاعدت حدة التوترات مجدداً في شبه الجزيرة الكورية بصورة مفزعة.
بعد إطلاق صاروخ “هواسونغ-15” العابر للقارات وباستطاعته إيصال رأس حربي ثقيل وكبير إلى أي مكان على الأراضي الأمريكية، ما جعل البعض يعتقد أن الحرب قادمة لا محالة بين واشنطن وبيونغ يانغ، وعدد من الأسرار والأسباب دفعت أمريكا للتراجع عن فكرة ضرب كوريا الشمالية.
ويعتقد زعيم كوريا الشمالية أنه قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة والانتصار عليها لتصبح بلاده أقوى دولة نووية في العالم، وتتقدم منتصرة ولتكون أقوى قوة نووية وعسكرية، ومع ذلك فإن كوريا الشمالية استمرت بإطلاق الصواريخ وإلى اليوم، ما شكّل تحدياً رئيسياً لأمريكا وتعززت المخاوف من حدوث نزاع كارثي مع الدولة النووية بتبادل الاتهامات بين واشنطن وبيونغ يانغ، وازدراء الرئيس الأمريكي الأسبق لخصمه ووصفه بأنه رجل الصاروخ الصغير.
بايدن أعرب عن وجهة نظر سلبية بشأن قمة عام 2018م بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في سنغافورة، وشدد عدة مرات على أنه سيسمح للمسؤولين على مستوى العمل أولاً بإدارة المفاوضات النووية، ويستمر النهج التصاعدي في حدته، وتشعر كوريا الشمالية بعدم الارتياح تجاه بايدن الذي شغل من قبل منصب نائب الرئيس في إدارة باراك أوباما، لذلك يتوقع أنه سيرث سياسات أوباما تجاه كوريا الشمالية المعروفة بـالصبر الاستراتيجي، أي أن تنتظر الولايات المتحدة حتى تتخلى كوريا الشمالية عن برامجها النووية تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والضغوط، لكن البعض الآخر يرى أن بايدن لن يسلك نهج الصبر الاستراتيجي لأن الوضع مختلف الآن، وتحاول حكومة بايدن تقليل العبء السياسي من خلال إجراء محادثات على مستوى العمل والتحقق الشامل من الأنشطة النووية لكوريا الشمالية.
وليس بعيداً ما إذا كان بايدن سيلتقي زعيم كوريا الشمالية، وسبق أن تبادل الجانبان كلمات قاسية مع بعضهما، وخلال الحملة الانتخابية وصف بايدن زعيم كوريا الشمالية بـالديكتاتور والسفاح وقال: إنه لن يجلس معه للتفاوض قبل إعلانه موافقة كوريا الشمالية على تقليص تسلحها النووي، ومن جانبها وجهت كوريا الشمالية انتقادات حادة لبايدن، ووصفته بأنه المسعور يطمع في السلطة، لكن هذا لا يعني أن إمكانية عقد القمة بين الجانبين قد تلاشت تماماً، فقد وجهت كوريا الشمالية انتقادات حادة إلى ترامب في سبتمبر/أيلول من عام 2017م، ثم غيرت موقفها لاحقاً وعقد البلدان قمتين، في الوقت الذي يتجاهل كيم جونغ أي محاولة من الولايات المتحدة للاتصال به، ما لم تتخلَّ واشنطن عن سياستها العدائية حيال بيونغ يانغ.
وبعد تنصيب بايدن تستعد حكومة كوريا الجنوبية لأي تغيير في الدبلوماسية الإقليمية، وتأمل استمرار عملية السلام في شبه الجزيرة الكورية، ومن المتوقع حدوث تحول في سياسة واشنطن تجاه كوريا الشمالية، فقد أصبح دور الوساطة الذي تلعبه كوريا الجنوبية مهماً بشكل متزايد، ومعالجة قضايا كوريا الشمالية بشكل أكثر استقراراً، وفي جميع الأحوال سيتعين على حكومة سيول أن تراقب سياسات إدارة بايدن تجاه كوريا الشمالية وتضع استراتيجية فعّالة لإدارة الدبلوماسية الإقليمية.
وإذا كانت كوريا الشمالية واحدة من دول قليلة تستطيع خوض حرب عسكرية ضد الولايات المتحدة، فإن الحرب ربما تأخذ مجالات واسعة وتعود بنتائج سلبية على المتحاربين، ويعترف المخططون العسكريون الأمريكيون بذلك، فعلى سبيل المثال في 7 مارس/آذار 2000م، قال الجنرال توماس شوارزر القائد العسكري الأمريكي وقتها في جلسة في الكونجرس الأمريكي: إن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تحارب الولايات المتحدة في حرب واسعة النطاق، وبذلك قد تستطيع مواجهة القوة العسكرية الأعظم في العالم، ودولة كذلك لا يمكن القول عنها إنها أمة ضعيفة.
وثمة تساؤلات حول كيفية تعامل إدارة بايدن مع التوترات التي تتصاعد من وقت لآخر بين واشنطن وبيونغ يانغ بسبب برامجها للأسلحة النووية وتطوير الصواريخ الباليستية، وأضافت بُعداً جديداً لجولة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين في اليابان وكوريا الجنوبية مؤخراً، وتتعامل إدارة بايدن بحذر شديد على مستوى الإعلان عن منهجيتها في التعامل مع كوريا الشمالية، إذ تؤكد أنها تقوم بمراجعة شاملة لسياستها تجاه هذه الدولة الآسيوية عقب القمة التاريخية التي انعقدت بين الرئيس الأمريكي السابق وكيم جونغ، ورجّحت الإدارة الأمريكية الجديدة أنه لم يكن هناك حوار حقيقي بينهما خلال حكم ترامب رغم المحاولات الأمريكية للتواصل مع كوريا الشمالية في ذلك الوقت.
يبدو أن “تهور” كيم جونغ كان أحد الأسباب الرئيسية، التي دفعت ترامب للتراجع عن ضرب كوريا الشمالية، خشية أن يضع جميع أنحاء منطقة شرق آسيا في خطر بالغ، رغم أنه ينظر إليه على أنه متهور، وقد يتخذ قرارات متهورة، لكنه يدرك متى يمكن التوقف، ويدرك جيداً أن أي نزاع مع بيونغ يانغ سيكون مدمراً بصورة غير مسبوقة للمنطقة، وينذر بحرب عالمية حقيقية، وبالمقابل كان يدرك ترامب أيضاً أن قرار حربه بمثابة انتحار، وضربة عسكرية مباشرة إلى كوريا الشمالية، من شأنها أن تشكل تغييراً كبيراً في توازن القوى في منطقة متفجرة.