أوروبا

بروكسل في مواجهة التطرف الناعم.. خطاب الإخوان يهدد تماسك المسلمين


أثار تصريح برونو غيو، وهو إمام مسجد سابق، جدلاً، خاصة بعد أن وصف بروكسل بأنها “غارقة بالإسلام الإخواني المتطرف”.

الإمام الذي كان معتنقًا للأفكار الإسلاموية في السابق، دعا إلى مراجعة ما يُقال في بعض المساجد، وتحدث عن أدعية ضد اليهود والمسيحيين تُرفع يوم الجمعة على ألسنة خطباء متشددين.

وتأتي هذه التصريحات في سياق نقاش متصاعد حول الإسلام السياسي والتطرف الديني في بلجيكا وأوروبا عمومًا.

وكان برونو غيو في الخامسة عشرة من عمره فقط عندما بدأ يهتم بالفكر الإخواني.

وبعد أشهر قليلة من اعتناقه الإسلام، شعر بأن المصلين الذين التقاهم في الجامع الكبير بمدينة شارلوروا “ليسوا متدينين بما فيه الكفاية”، على حدّ وصفه. وقال لاحقًا: “لم يكونوا قادرين على مرافقتي في رحلتي نحو التعمق المطلق في العلم الشرعي”.

لذلك، توجّه إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، وتحديدًا إلى حي مولنبيك، وهناك اكتشف الإسلاموية المتشددة التي جعلها محور حياته لسنوات طويلة.

ورغم ابتعاده اليوم عن تلك الأوساط، يعود برونو غيو في كتابه “وداعًا سليمان” إلى سرد تجربته في مسار التطرف، وكيف أصبح المنهج الإخواني هو المسيطر في بعض أحياء بروكسل.

ولفت غيو في كتابه إلى تقارير مخابراتية وتحقيقية بلجيكية وأوروبية تشير إلى وجود شبكات ومنظمات مرتبطة أيديولوجيًا بالمشروع الإخواني، تعمل في بلجيكا وتستهدف التأثير في السياسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني.

توصيف الخطر

بدورها، قالت الدكتورة جوكلين سيساري، أستاذة العلوم السياسية والدراسات الإسلامية، والباحثة في مركز الأبحاث الوطني الفرنسي لـ”العين الإخبارية”، إن “تصريحات برونو غيو لا تخلو من مبرر من الناحية التجريبية بالنظر إلى وجود بعض القِنوات التي تُستخدم لنشر خطاب يحض على التمييز والتفرقة داخل المساجد في بروكسل”.

وأشارت سيساري إلى أن “هناك مساجد تابعة لتنظيم الإخوان هي فقط التي تحرض”، محذرة من التعميم في هذا الصدد.

كما أشارت إلى أن المساجد ليست كلها مساجد تطرف، وأن المسلمين العاديين يُبرهنون يومياً على ولائهم للقوانين والعيش المشترك. 

ولفتت إلى أن التركيز فقط على “دعوات الكراهية” في أيام الجمعة، يغذي مشاعر الاغتراب ويعزز الانقسام.

وأوضحت سيساري أن سبب ظهور هذه الخطابات يعود في الغالب إلى فراغ تنظيمي، وضعف رقابة بعض الجمعيات أو المساجد، وغياب تأهيل مؤسسي للإمام والخطاب الديني في اللغة التي يفهمها المصلّون، مما يترك الحيز لمتطرّفين لتوجيه الرسالة. 

وأضافت سيساري أن حضور الفكر الإخواني في بروكسل “لا يتجلى فقط في خطاب بعض الأئمة أو الجمعيات، بل في منظومة متكاملة من العمل الثقافي والاجتماعي تمتد منذ سبعينيات القرن الماضي، حين استقر العديد من قيادات الجماعة الهاربين من الشرق الأوسط في بلجيكا”.

وأشارت إلى أن العاصمة البلجيكية باتت مركزاً تنظيمياً وفكرياً لشبكات مرتبطة بحركة الإخوان، تعمل تحت مظلات قانونية، كجمعيات تعليمية وخيرية، ومؤسسات بحثية تقدم على أنها “منصات للحوار بين الثقافات”، لكنها تمارس تأثيراً ناعماً على الجيل الجديد من المسلمين عبر أنشطة تبدو مدنية لكنها تنقل سردية دينية وسياسية محافظة تتقاطع مع المشروع الإخواني التقليدي.

سيساري مضت قائلة، إن هذا الحضور لا يعني بالضرورة وجود “تنظيم هرمي”، لكنه يعكس هيمنة فكرية تدريجية في بعض الأوساط، خاصة تلك التي تعاني من هشاشة اقتصادية أو شعور بالتهميش الاجتماعي، ما يجعلها أكثر قابلية لتبني خطاب ديني شمولي يَعِدُ بالكرامة والانتماء.

لذلك، دعت إلى سياسات تشاركية، تشمل تعليم الأئمة، وإشراك المسلمين المحليين في الرقابة الداخلية، وتوفير دعم مالي وإداري للمساجد التي تلتزم بخطاب معتدل ومواطن.

مقترح للمواجهة

من جانبه، قال الدكتور فرانسوا بورغا، الباحث في الإسلام السياسي والعالم العربي، لـ”العين الإخبارية” إن تصريحات غيو تندرج في “منطق الخوف السياسي” أكثر منها في منطق التحليل العلمي. 

وأشار إلى أن “الإسلام المتطرف” ليس ظاهرة موحدة، بل متعدد الأشكال والتأثير حسب السياق الاجتماعي، اللغوي، الطبقي. لذلك، فاتهام شامل مثل “بروكسل غارقة في الإسلام المتطرف” يسهم في تطبيع نظرة أمنية عدائية نحو المسلمين، مما قد يفاقم حالة التهميش ويقوّي الدعاية المتطرفة نفسها.

ويوصي بأن يكون التدخل مركزاً على المساجد التي تثبت تجاوزاتها، من حيث الدعاء المحرض أو الخطاب العنصري، عبر مراقبة قانونية فعلية، والقضاء على التمويل الأجنبي غير الشفاف، ودعم الحرية الدينية المنظمة، وتعزيز التعايش الاجتماعي بدل تعزيز الخوف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى