سياسة

بعد الانقلاب: بوركينا فاسو تعود إلى جذور حركات التحرر الأفريقية


انقلاب في المشهد السياسي في بوركينا فاسو يعيد التذكير بستينيات القرن المنصرم. حينما حفلت أفريقيا بحركات التحرر الوطني.

وبينما يتنامى الدعم الشعبي للرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري، يرى مراقبون أن شرعية جديدة تتأسس بعيدًا عن صناديق الاقتراع. لكنها في القلب من مشاعر مناهضة للتدخل الغربي في شؤون القارة.

وطالما حفلت العقود الماضية بانقلابات عسكرية في أفريقيا. لكن التأييد الشعبي للمجلس العسكري الحاكم يأتي مرافقًا لإحياء رموز المقاومة الأفريقية. ما يطرح تساؤلات محورية حول مستقبل النظام والشرعية في بوركينا فاسو.

من جانبه، قال أليو واديه، وهو باحث في “المعهد الأفريقي للدراسات السيادية” في باماكو. إن الحراك الشعبي الأخير يُظهر أن الشعب لا يثق بالمؤسسات التقليدية. التي فشلت في حمايته من الإرهاب والفقر لعقود.

وأضاف أن المجلس العسكري بقيادة تراوري يُعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس السيادة والكرامة، وليس عبر صناديق اقتراع موجهة. هذا لا يعني تفويضًا مفتوحًا لكنه يشكل شرعية انتقالية متجددة إذا وُجدت نتائج ملموسة.

وحول توظيف الدعم الشعبي ضد التدخل الغربي، قال إن “تراوري بذكاء يستخدم الدعم الشعبي ليس كأداة داخلية فقط، بل كورقة تفاوض مع الخارج، وتحصين ضد الضغوط الغربية. ما يُبنى هنا هو نوع جديد من الشرعية المقاومة. ذات جذور ثورية تتجاوز البيروقراطيات والنخب المدعومة من الغرب”.

وعمّا إذا كان تراوري يوظف خطاب السيادة ورموز المقاومة، قال البروفيسور باتريك نغويني، أستاذ العلاقات الدولية في “مركز الدراسات الجيوسياسية الأفريقية”. بواغادوغو، إن الرئيس الانتقالي يُحيي إرث سانكارا ليس مجرد رمزية، بل كأداة لتعبئة شعبية وتحويل الإحباط إلى مشروع سيادي.

وتوماس سانكارا هو قائد ثوري ورئيس سابق لبوركينا فاسو. تولّى الحكم بين عامي 1983 و1987 بعد انقلاب عسكري، ويُلقب بـ”تشي غيفارا أفريقيا”. وقد قاد برنامجًا إصلاحيًا جذريًا ركّز على محاربة الفساد، وتعزيز التعليم والصحة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحرير المرأة، قبل اغتياله في انقلاب عام 1987 قاده رفيقه السابق بليز كومباوري.

وأضاف نغويني أن رفع أعلام روسيا وتحالف الساحل، والهجوم العلني على أمريكا. كلها مؤشرات لخطاب استقلالي ضد الهيمنة الغربية، مبني على رواية وطنية جديدة تزاوج بين الكرامة والسلطة الفعلية.

التفاف حاشد

وبدعوة من “التنسيقية الوطنية لجمعيات اليقظة المدنية”. تجمّع الآلاف من أنصار الكابتن إبراهيم تراوري، خاصة في ساحة الأمة في واغادوغو. لدعم المجلس العسكري الذي أعلن مؤخرًا عن إحباط محاولة انقلاب جديدة.

سادت أجواء من الحماسة على منصة ساحة الأمة. وتناقل الإعلام الرسمي عبر شاشات التلفزيون الوطني خطابات رئيس الوزراء.

وخرج آلاف من سكان واغادوغو صباحًا لدعم الكابتن تراوري. الذي انتقده مؤخرًا الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، مشككًا في حسن إدارة المجلس العسكري لموارد البلاد المعدنية، معتبرًا أنها تخدم مصالحهم أكثر من مصالح الشعب.

لا للتدخل الغربي

أحد المتظاهرين، ويدعى محمد، قال: “بوركينا لنا، وذهب بوركينا لنا. إذا أردنا، سنوزع الذهب على كل المواطنين. ما يقوله الغربيون مجرد أكاذيب لأنهم لم يعودوا قادرين على نهب مواردنا. نحن حراس الجمهورية”.

ورفع أنصار تراوري لافتات تدعم “تحالف دول الساحل”، في إشارة إلى التحالف الإقليمي بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وجميعها تحت قيادة أنظمة عسكرية.

وشهدت مدن أخرى مثل بوبو-ديولاسو وبورومو تجمعات مماثلة. وطلب مؤثرو مواقع التواصل المؤيدون لتراوري من المتابعين نشر صور الرئيس أو رسائل دعمه عبر حساباتهم.

تعبئة

في 30 أبريل/نيسان الماضي، تجمّع عدة آلاف في واغادوغو في واحدة من أكبر المظاهرات المؤيدة للمجلس العسكري منذ الانقلاب.

رفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها: “الدعم الكامل للرئيس إبراهيم تراوري وشعب بوركينا فاسو”، “تسقط الإمبريالية وعملاؤها”، “تحيا المقاومة المناهضة للإمبريالية”. و”لا لمؤامرات القوى الإمبريالية التي تحاول إفشال ثورتنا”.

ويُعد هذا التجمع من الأكبر منذ الانقلاب، في بلد فقير ومعزول جغرافيًا في منطقة الساحل. يواجه هجمات الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش. والتي أودت بحياة عشرات الآلاف منذ 2015.

في 21 أبريل/نيسان، أعلن النظام العسكري إحباط “مؤامرة كبيرة” لنشر الفوضى، متهمًا عقولها المدبرة بالتواجد في ساحل العاج. التي كثيرًا ما تتهمها بوركينا فاسو بإيواء المعارضين، رغم نفي أبيدجان المتكرر.

تمجيد للسيادة

شهدت مدن أخرى مثل بوبو-ديولاسو وبورومو تجمعات منددة بـ”نفاق القوى الاستعمارية القديمة. التي تُجرّم المقاومة وتنهب القارة”، و”التضليل الإعلامي الذي يسعى لتشويه قادة أفريقيا الجدد”.

حمل المتظاهرون صورًا ضخمة لتراوري، إلى جانب أعلام بوركينا فاسو وروسيا وتحالف دول الساحل، وهو تحالف يضم مالي والنيجر أيضًا. وتضع جميعها السيادة الوطنية في صميم سياساتها، مبتعدة عن فرنسا ومتقربة من روسيا.

وخاطب رئيس الوزراء جان إيمانويل ويدراوغو الجماهير قائلاً: “1987 ليست 2025. نحن واقفون”، في إشارة إلى الرئيس الراحل توماس سانكارا، أيقونة البان-أفريكانية الذي اغتيل عام 1987، والذي تدعي الجبهة الحالية أنها تسير على نهجه.

وقال غيسلان سوميه، الأمين العام للتنسيقية: “هذا الحشد يثبت أن الشعب ملتف حول قيادته. لن يتمكن أحد من الوصول إلى رئيسنا أو زعزعة استقرار بلدنا. نحن الدرع الحامي”، بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى