بين التصعيد والردع.. طهران تبحث عن مخرج من معادلة «الصبر المؤلم»
هل استنفدت إيران «صبرها الاستراتيجي» بعد تعرض حلفائها لنكسات دون مؤشرات واضحة على تلقيها دعما بديلا؟
سؤال طرحته وكالة «أسوشيتد برس» في خضم “وضع الأزمة” الذي قالت إن إيران تشهده انطلاقا من القصف الأمريكي الإسرائيلي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية وصولا إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي.
ومع ذلك، تقول الوكالة إن نظام إيران لم يتحرك لوقف هذا التدهور، أو استئناف المفاوضات النووية مع الغرب، أو الاستعداد لجولة جديدة محتملة من الحرب.
ففي الماضي، أشاد المرشد الإيراني علي خامنئي (86 عامًا) بفائدة “الصبر الاستراتيجي” الذي تتحلى به طهران في مواجهة أعدائها.
لكن الآن، يتزايد القلق من أن هذا الصبر قد نفد بعد تعرض شركاء إيران فيما يعرف بـ”محور المقاومة” للدمار مع غياب أي مؤشرات واضحة على تلقيها دعمًا ماديًا من الصين أو روسيا، وفق المصدر نفسه.
وأشارت الوكالة إلى تصريح خامنئي نفسه الشهر الماضي حين قال إن “أحد الأضرار والمخاطر التي تواجه البلاد تحديدًا هو حالة اللاحرب والسلم هذه، وهي ليست جيدة”.
ومع ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراء لتغيير هذه الحسابات، وسط مخاوف من استئناف الحرب.
وأصبح كل حريق أو حادث صناعي مصدر قلق جديد للإيرانيين الذين يشاهدون مدخراتهم تتضاءل أكثر فأكثر مع انخفاض قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته التاريخية مقابل الدولار الأمريكي.
«أزمة دائمة»؟
في مقابلة نشرها موقع “نور نيوز”، قال علي عبدالله خاني، المحلل في مكتب الشؤون الاستراتيجية الرئاسي الإيراني: “حتى لو سلمنا بإمكانية نشوب حرب ثانية، فإن النهج الصحيح لحكم البلاد هو عدم إبقاء الرأي العام في حالة قلق دائم من خلال إصدار تحذيرات متكررة كل بضعة أيام”.
وتضع هذه السياسة الأمة في حالة “أزمة دائمة” مع ترقب مستمر للحرب التي تبدو وكأنها قابلة للاشتعال في أي لحظة وهو ما يستنفد جميع القدرات الإدارية والسياسية في مواجهة صراع افتراضي.
ومع إعادة الأمم المتحدة لفرض العقوبات على إيران الشهر الماضي، سعت طهران إلى التقليل من تأثيرها أو حتى الإصرار على عدم وجودها.
وفي حين أشارت الصين وروسيا إلى أنهما لن تُطبّقا العقوبات، فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودولًا أخرى تُطبّقها.
وتثقل العقوبات الرئيسية كاهل البنك المركزي الإيراني وصادراته النفطية والتي تعد أحد المصادر القليلة للعملة الصعبة للحكومة، كما تسمح بمصادرة شحنات النفط الخام الإيراني في البحار، وهو أمر أثار في الماضي مواجهات مع طهران.
أما عسكريا، فقد شهدت حرب يونيو/حزيران الماضي قتل إسرائيل لقيادات عليا في الجيش الإيراني والحرس الثوري، ومنذ ذلك الحين، لم تُجرِ إيران أي عروض عسكرية كبيرة، واكتفت بإجراء تدريبات بحرية محدودة.
انتقادات
في الوقت نفسه، تتصاعد الانتقادات تدريجيًا إلى النظام الديني الإيراني، الذي تحول في عهد خامنئي إلى معسكرات ووكالات متنافسة، غالبًا ما يتم تكليفها بنفس المهام، بحسب تحليل “أسوشيتد برس”.
وفي اعتراف نادر من مسؤول إيراني، قال علي شمخاني، كبير مستشاري خامنئي الذي نجا من هجوم إسرائيلي استهدفه خلال الحرب، في مقطع فيديو على الإنترنت، إن هجمات إيران السابقة على إسرائيل عام ٢٠٢٤ “لم تُحقق النتائج” التي سعت إليها طهران.
ورغم إصرار إيران على عدم رغبتها في امتلاك سلاح نووي، فإن شمخاني قال “الآن وقد اتضح الأمر، كان ينبغي على إيران تطوير هذه القدرة بنفسها”.
وبعد المقابلة، وجد شمخاني نفسه هدفًا لتسريب فيديو من حفل زفاف ابنته، ظهرت فيه وهي ترتدي فستانا مكشوفا وهو أمر انتقده المتشددون الذين يدعون إلى حملة جديدة تستهدف النساء بسبب الحجاب الإلزامي.
في المقابل، صعّد الرئيس السابق حسن روحاني، الذي توصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015، انتقاداته للمتشددين وسعى إلى تنظيم زملائه من رجال الدين في قم، مدينة الحوزة الدينية الإيرانية.
مكانة خامنئي
وفي غياب مرشح واضح لخلافته، تراجعت مكانة خامنئي منذ الحرب، في ظل المزيد من التأخر في نشر تصريحاته وهو ما يعود لأسباب أمنية على الأرجح لتجنب استهداف إسرائيلي محتمل له.
وفي الوقت الذي تُمثل فيه المحادثات مع الولايات المتحدة والأوروبيين أحد السبل لحل مشكلات إيران، يصر خامنئي على استحالة إجراء مفاوضات.
والإثنين الماضي، واصل خامنئي انتقاده للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأصر على أن إيران “لن تخضع للإكراه”.
وقال: “ترامب يفتخر بقصف الصناعة النووية الإيرانية وتدميرها.. حسنًا استمروا في هذا الوهم”.
