سياسة

“تاريخ من الشجاعة”… كيف هزت أنثى الأرض في زمن الحرب؟


في خضمّ الحرب العالمية الثانية، واجه الحلفاء تحديا هندسيا غير مسبوق، وهو كيفية تدمير البنية التحتية المحصنة لألمانيا النازية.

كانت الإجابة عن هذا التحدي في سلاح ثوري غيَّر قواعد اللعبة: القنابل الزلزالية. التي مثّلت ذروة الابتكارات العسكرية البريطانية بقيادة المهندس العبقري بارنز واليس.

ووفق ما طالعته في موقع “فيرست لاين ديفنس” البريطاني، كان من أبرز تلك القنابل “الولد الطويل” التي تزن 5.4 طن، وأيضا “الوحش العملاق” بوزن 10 أطنان. لتتحول هذه الأسلحة إلى رمز لقوة العلم في ساحات الحرب.

رحلة تطوير

مع حلول عام 1942، بدأ النازيون ببناء قواعد غواصات ومنصات إطلاق صواريخ مثل (V1 وV2) محصنة بجدران خرسانية سميكة، ما جعلها منيعة ضد القنابل العادية.

ودفع ذلك بارنز واليس لاقتراح فكرة ثورية: بدلا من تفجير الأهداف من السطح. تُصمَّم قنابل قادرة على اختراق الأرض ثم تفجير نفسها في الأعماق. مما يحدث موجات صدمية تدمر الأساسات.

وبدأ المشروع بقنبلة “Tallboy” (التي تعني “الولد الطويل”)، وهي أول قنبلة “زلزالية” تزن 12 ألف رطل (5.4 طن). مصنوعة من فولاذ عالي الصلابة ومزودة بثلاثة صواعق تأخير لضمان انفجارها بعد الاختراق.

لكن التحدي الأكبر ظهر مع الحاجة لتدمير أهداف استراتيجية ضخمة. مثل جسر بيليفيلد للسكك الحديدية في ألمانيا، والذي كان يُعد شريان النقل الرئيسي للقوات والمعدات العسكرية.

ولهذا، طوّر واليس نسخة أكبر بوزن 10 أطنان. عرفت لاحقا باسم “القنبلة الزلزالية العملاقة” أو Grand Slam (الضربة القاضية).

اختبار النموذج الأكبر

في 14 مارس/ آذار 1945، أقلعت قاذفة بريطانية من طراز أفرو لانكستر التابعة للسرب 617 (المشهور بـ”سرب السدود”)، حاملة القنبلة الزلزالية العملاقة.

ومن ارتفاع 5 كيلومترات، أُسقطت القنبلة على جسر بيليفيلد. حيث اخترقت الأرض بعمق 40 مترًا قبل أن تنفجر محدثة موجة زلزالية دمرت الجسر بالكامل.

كان التأثير مدمرا لدرجة أن الألمان أقروا لاحقا بأن تدمير شبكة النقل في الأشهر الأخيرة من الحرب تسبب في انهيار الإنتاج العسكري بنسبة 90%، مما عجّل بنهاية الحرب.

كابوس لألمانيا

الشكل والذيل الديناميكي: صُمم ذيل القنبلة بزعانف دوّارة لضمان سقوطها عموديا، مما زاد من سرعتها.

وبعد السقوط من ارتفاع نحو 8 كيلومترات، تصل القنبلة الزلزالية إلى سرعة 1200 كم/ساعة. متفوقةً على سرعة الصوت وتخترق الأرض حتى عمق 40 مترا.

ونتيجة للانفجار تحت الأرض، تحدث موجة زلزالية، تتسبب في أضرار للمباني على السطح.

وفاعلية هذه القنبلة تتمثل في أن انفجارها بعد تغلغلها في أعماق الأرض. يصيب الهدف بموجات صدمة تنتقل عبر الأرض.

قنابل «الولد الطويل»

بسبب سماكة جدار القنبلة الفولاذي، واجه المصممون تحديات في كمية المتفجرات التي يمكن وضعها داخلها.

وعثر على الحل في مادة الـ”توربكس” شديدة الانفجار، التي تسكب ساخنة وتتصلب بعد شهر. مما جعل إنتاج القنبلة يستغرق وقتا طويلا ويكلف ما يعادل ملايين الدولارات اليوم.

ودفع ذلك الجيش البريطاني لإصدار تعليمات لأطقم قاذفات القنابل بالعودة بها إلى القاعدة .إذا تعذر إسقاطها على الهدف لسبب أو آخر، بدلا من إسقاطها في البحر كما هي العادة مع القنابل التقليدية الأصغر.

تعديلات على القاذفات

لحمل هذه القنابل العملاقة، خضعت طائرات لانكستر لتعديلات جذرية: إزالة الأبراج الدفاعية (ما عدا ذيل الطائرة)، وتفكيك أبواب حجرة القنابل، وتقوية هيكل الطائرة.

وبلغت التكلفة العالية حدًّا دفع القيادة إلى إصدار أوامر صارمة بإعادة القنابل غير المستخدمة إلى القاعدة، بدلا من إسقاطها في البحر كالمعتاد.

قنابل «الولد الطويل»

نجاحات استراتيجية 

في معركة نورماندي في يونيو/حزيران 1944. أسقطت قاذفات لانكستر قنابل “الولد الطويل” على نفق سكة حديد في سومور بفرنسا، مما منع وصول التعزيزات النازية (بما في ذلك الدبابات) إلى شواطئ الإنزال، مما ساهم في نجاح عملية “أفرلورد”.

واستخدمت أيضا لاستهداف منصات إطلاق صواريخ V1 وV2 بحلول نهاية الحرب. حيث أُسقطت 854 قنبلة “Tallboy”، استهدفت بشكل خاص منصات الصواريخ الألمانية التي كانت تُرهب بريطانيا.

كما نجحت القنابل الزلزالية في اختراق الملاجئ الخرسانية التي كانت تُخفي غواصات يو الألمانية. التي اعتُبرت ذات يوم “غير قابلة للتدمير”.

وفي المجموع، تم إنتاج 99 قنبلة زلزالية. أسقط منها قبل نهاية الحرب العالمية الثانية 42 قطعة، على الجسور الهامة وملاجئ الغواصات الخرسانية.

وبعد الحرب، أنتج الأمريكيون القنابل الزلزالية بموجب ترخيص بريطاني، وفي عام 1948. اعتمادا على النموذج البريطاني، طوروا قنبلة خارقة للتحصينات أثقل بوزن 20 طنا. هذه القنبلة لم تستخدم عمليا وسُحبت من الخدمة عام 1959 نتيجة ظهور القنابل النووية الأقوى بكثير والأشد فتكا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى