سياسة

تحالف الساحل الثلاثي يعلن تسريع تشكيل جيش مشترك.. رسالة حازمة للجماعات المتطرفة


في مشهد قد يعيد رسم خرائط النفوذ والأمن في غرب إفريقيا، تسعى دول تحالف الساحل الثلاث — النيجر ومالي وبوركينا فاسو — إلى بلورة مقاربة جديدة للأمن الجماعي، تقوم على الاستقلال العسكري والسيادة الوطنية بعيداً عن المظلة الغربية التي هيمنت على المشهد طيلة العقد الماضي.

وعقد قادة التحالف اجتماعاً في العاصمة نيامي، وُصف بأنه حاسم، برئاسة رئيس المجلس العسكري النيجري عبدالرحمن تياني وبحضور وزراء الدفاع في الدول الثلاث: ساديو كامارا (مالي) وسيليستين سيمبوري (بوركينا فاسو) وساليفو مودي (النيجر). وقد خُصص الاجتماع لوضع اللمسات النهائية على الهيكل التنظيمي والعملياتي للقوة العسكرية المشتركة، التي تشكل حجر الزاوية في مشروع التحالف.

وتسعى هذه الدول، التي أطاحت أنظمتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة بحكومات مدنية متحالفة مع الغرب، إلى إنشاء قوة إقليمية مستقلة وسريعة الاستجابة لمواجهة التهديدات الأمنية، في ظل تصاعد هجمات الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، وتراجع الدعم الخارجي بعد انسحاب القوات الفرنسية وانكماش الوجود الأوروبي في الساحل.

ويرى مراقبون أن التحركات الأخيرة تعبّر عن تحول جذري في فلسفة الأمن الإقليمي، إذ لم تعد دول الساحل تنظر إلى باريس كضامن رئيسي لأمنها، بل كجزء من معادلة فشلت في تحقيق الاستقرار رغم وجودها العسكري الممتد منذ 2013. فإعلان تأسيس التحالف في مطلع 2024 جاء بمثابة رد سياسي على انهيار مجموعة الساحل الخمس (G5 Sahel) التي تفككت إثر انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر، احتجاجاً على ما اعتُبر “هيمنة فرنسية على القرار الأمني”.

وفي ضوء ذلك، تم الاتفاق خلال لقاء جمع رؤساء أركان الجيوش الثلاثة في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تحديد الإطار العملياتي للقوة المشتركة، بما يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات البرية والجوية في المناطق الحدودية الملتهبة، خصوصاً مثلث الحدود بين الدول الثلاث، الذي يُعدّ بؤرة لنشاط الجماعات المسلحة منذ سنوات.

ورغم الطابع الطموح للمشروع، تواجه دول التحالف تحديات داخلية معقدة قد تقوّض قدرته على الصمود. فمالي تعيش أزمة وقود خانقة وتزايداً في الهجمات على المدنيين، فيما تكافح بوركينا فاسو والنيجر لتأمين مناطق ريفية واسعة خارجة عن السيطرة، في وقت تتراجع فيه الموارد المالية بفعل العقوبات والعزلة الإقليمية.

لكن في المقابل، يُظهر قادة التحالف إصراراً على تحويل العزلة إلى فرصة لبناء نموذج أمني وطني، مدعوم بخطاب سيادي يتغذى على مشاعر مناهضة الاستعمار القديم. فالرسالة التي تبعثها نيامي وباماكو وواغادوغو إلى المجتمع الدولي واضحة “لن ننتظر قوات أجنبية لتضمن أمننا بعد اليوم”.

الساحل… مختبر توازنات جديدة

وتكشف قراءة المشهد في منطقة الساحل عن ولادة نظام أمني موازٍ يعكس تحولات أعمق في موازين القوى الإفريقية، فبينما ينكمش النفوذ الغربي، تتزايد مؤشرات التقارب بين التحالف الجديد وقوى أخرى مثل روسيا وتركيا، ما يفتح الباب أمام منافسة جيوسياسية جديدة في قلب القارة.

وفي المحصلة، فإن تحالف الساحل الثلاثي لا يمثل مجرد ترتيبات عسكرية، بل تعبيراً عن إرادة سياسية لاستعادة القرار السيادي في منطقة طالما كانت ساحة لصراعات الوكالة. ورغم هشاشة الظروف الاقتصادية والأمنية، فإن هذا التحالف يعبّر عن نزعة متنامية نحو إفريقيا أكثر استقلالاً عن المراكز القديمة للنفوذ، وأشدّ إصراراً على صياغة أمنها بيدها، لا بأدوات الآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى