تحديات حرب غزة تختبر صمود محور المقاومة
وجه الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي رسالة واضحة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال لقائهما أوائل الشهر الماضي في طهران مفادها أن إيران لن تدخل الحرب نيابة عن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وفق ما كشفه مسؤولون كبار، ما يضع “محور المقاومة” الذي تتزعمه الجمهورية الإسلامية في مواجهة اختبار هو الأول من نوعه.
وقال خامنئي لهنية إن إيران ستواصل تقديم دعمها السياسي والمعنوي للحركة، لكن دون التدخل بشكل مباشر، حسبما أفاد المسؤولون، وهم من إيران وحماس ومطلعون على المناقشات وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم حتى يتسنى لهم التحدث بحرية.
وذكر مسؤول من حماس أن الزعيم الأعلى الإيراني حث هنية على إسكات تلك الأصوات في الحركة الفلسطينية التي تدعو علنا إيران وحليفتها اللبنانية جماعة حزب الله إلى الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل بكامل قوتهما.
وأكدت ثلاثة مصادر قريبة من حزب الله أن الجماعة فوجئت أيضا بالهجوم الذي شنته حماس الشهر الماضي والذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وأن مقاتليها لم يكونوا في حالة تأهب حتى في القرى القريبة من الحدود والتي شكلت الخطوط أمامية في حربها مع إسرائيل عام 2006 وكان لا بد من استدعائهم بسرعة، فيما قال قيادي في الحزب “لقد استيقظنا على الحرب”.
وتمثل الأزمة المتفاقمة المرة الأولى التي يحشد فيها ما يسمى بمحور المقاومة، وهو تحالف عسكري شكلته إيران على مدى أربعة عقود لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على جبهات متعددة في نفس الوقت.
وتخوض جماعة حزب الله أعنف اشتباكات مع إسرائيل منذ ما يقرب من 20 عاما. واستهدفت فصائل مسلحة مدعومة من إيران القوات الأميركية في العراق وسوريا. كما أطلق الحوثيون في اليمن صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل.
ويمثل الصراع أيضا اختبارا لقدرات التحالف الإقليمي الذي يضم الحكومة السورية وحزب الله وحماس وجماعات مسلحة أخرى من العراق إلى اليمن، وسط اختلاف الأولويات والتحديات فيما بينهما.
وقال مهند الحاج علي الخبير في شؤون حزب الله في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت إن هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ترك شركاءها في محور المقاومة أمام خيارات صعبة في مواجهة خصم يتمتع بقوة عسكرية متفوقة بكثير، مضيفا “عندما توقظ الدب بمثل هذا الهجوم، فمن الصعب جدا على حلفائك أن يتخذوا نفس موقفك”.
وتقاتل حماس التي تسيطر على السلطة في قطاع غزة من أجل البقاء في مواجهة انتقام إسرائيل التي تعهدت بالقضاء على الحركة وشنت هجوما على القطاع الصغير أدى إلى مقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني.
وفي السابع من الشهر الماضي دعا قائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف حلفاء محور المقاومة إلى الانضمام إلى النضال. وقال في رسالة صوتية “يا إخواننا في المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين”.
وبدا الإحباط في تصريحات علنية بعد ذلك لقادة حماس ومن بينهم خالد مشعل الذي شكر الجماعة اللبنانية في مقابلة تلفزيونية يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول وقال “حزب الله قام مشكورا بخطوات لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر وما يجري لا بأس به لكنه غير كاف”.
ويرى ستة مسؤولين على دراية مباشرة بتفكير طهران ورفضوا الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الأمر أن إيران زعيمة التحالف لن تتدخل بشكل مباشر في الصراع ما لم تتعرض هي نفسها لهجوم من إسرائيل أو الولايات المتحدة.
وقال المسؤولون إنه بدلا من ذلك يخطط حكام إيران لمواصلة استخدام محور المقاومة من الحلفاء المسلحين، بما في ذلك حزب الله، لشن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف إسرائيلية وأميركية في أنحاء الشرق الأوسط، بينما أكدت طهران إيران مرارا إن جميع أعضاء المحور يتخذون قراراتهم بشكل مستقل.
وأضافوا أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى إظهار التضامن مع حماس في غزة وإرهاق القوات الإسرائيلية دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل يمكن أن تستقطب الولايات المتحدة.
وقال دنيس روس الدبلوماسي الأميركي الكبير السابق المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في معهد أبحاث واشنطن لسياسات الشرق الأدنى “هذه هي طريقتهم في الردع… طريقة تقول انظروا، طالما لم تهاجمونا فستبقى الأمور على هذا الوضع. ولكن إذا هاجمتمونا سيتغير كل شيء”.
وتبادل حزب الله، أقوى شريك في محور المقاومة، والذي يضم 100 ألف مقاتل إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية عبر الحدود بشكل يومي تقريبا منذ أن دخلت حماس في حرب مع إسرائيل وأسفر ذلك عن مقتل أكثر من 70 من عناصره ومع ذلك تجنبت الجماعة اللبنانية مثل إيران الداعمة له المواجهة الكاملة.
وقالت مصادر مطلعة على تفكير حزب الله إن الجماعة جعلت هجماتها محسوبة بطريقة أبقت العنف محدودا إلى حد كبير في شريط ضيق من الأراضي على الحدود، حتى مع تصعيد تلك الضربات في الأيام القليلة الماضية.
وقال أحد المصادر إن حماس تريد من حزب الله أن يشن ضربات أعمق داخل إسرائيل بترسانته الهائلة من الصواريخ، لكن حزب الله يعتقد أن هذا سيدفع إسرائيل إلى تدمير لبنان دون وقف هجومها على غزة.
ويدرك حزب الله، وهو أيضا حركة سياسية منخرطة في شؤون الحكومة اللبنانية، أن لبنان لا يستطيع تحمل حرب أخرى مع إسرائيل، بعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة المالية التي أدت إلى تفاقم الفقر وأضعفت المؤسسات الحاكمة في البلاد.
واستغرق لبنان سنوات لإعادة البناء بعد حرب عام 2006 التي قصفت خلالها إسرائيل جنوب البلاد الذي يسيطر عليه حزب الله ودمرت مساحات واسعة من معقله في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
وقال الأمين العام للجماعة حسن نصر الله في خطاب ألقاه في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني إن حماس أبقت هجومها على إسرائيل سرا عن حلفائها، وهذا ما ضمن نجاحها ولم “يزعج أحدا” في محور المقاومة. وأضاف أن هجمات حزب الله على الحدود الإسرائيلية لم يسبق لها مثيل وكانت بمثابة “معركة حقيقية”.
والولايات المتحدة أيضا حريصة على تجنب أن تمتد رقعة الحرب إلى ما هو أبعد من غزة، فبعد أن خاضت حربين مكلفتين مشؤومتين في العراق وأفغانستان على مدى العقدين الماضيين تجد نفسها الآن تمول الدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
ويسعى الرئيس جو بايدن حتى الآن إلى حصر الدور الأميركي في أزمة غزة بالأساس في ضمان المساعدات العسكرية لإسرائيل. كما حرك حاملتي طائرات ومقاتلات إلى شرق البحر المتوسط في خطوة تهدف في جانب منها إلى تحذير طهران.
وتصاعد التوتر مع شن ما لا يقل عن 40 هجوما بطائرات مسيرة وصواريخ على القوات الأميركية من جانب فصائل المحور في العراق وسوريا منذ بدء حرب غزة ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن الولايات المتحدة نفذت ثلاث مجموعات من الضربات الانتقامية ضد منشآت في سوريا تستخدمها فصائل مسلحة مرتبطة بإيران.
وحذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الاثنين من خطر فتح جبهة رئيسية أخرى في الصراع وقال في مؤتمر صحفي في سول “ما رأيناه طوال هذا الصراع وطوال هذه الأزمة هو تراشق متبادل بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية”، مضيفا “لا أحد يريد أن يرى صراعا آخر يندلع في الشمال”.
وشدد أوستن على ضرورة تجنب أي تصعيد إقليمي عندما تحدث مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت مطلع الأسبوع، بحسب نص المكالمة.
وقال مصدران أمنيان إسرائيليان، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، إن إسرائيل لا تسعى إلى اتساع رقعة الأعمال القتالية، لكنهما أضافا أنها مستعدة للقتال على جبهات جديدة إذا لزم الأمر لحماية نفسها. وقالا إن مسؤولي الأمن يعتبرون أن التهديد المباشر الأقوى لإسرائيل يأتي من حزب الله.
والعداء عميق بين إيران وإسرائيل التي تهدد منذ فترة طويلة بالقيام بعمل عسكري ضد طهران في حال فشلت الدبلوماسية في الحد من نشاطها النووي المثير للجدل.
ويقول كريم سجادبور المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إنه في الأزمة الحالية قد يتغلب صوت الواقعية السياسية بالنسبة لطهران.
ويضيف “لقد أظهرت إيران التزاما على مدى أربعة عقود بمحاربة أميركا وإسرائيل دون الدخول في صراع مباشر. وترتكز الأيديولوجية الثورية للنظام الإيراني على معارضة الولايات المتحدة والدولة العبرية لكن قادتها ليسوا انتحاريين، بل يريدون البقاء في السلطة”.
في سياق متصل استبعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الاربعاء مشاركة إيران ولبنان في توسيع الحرب الدائرة في غزة في حال لم تكن هناك استفزازات.
وقال لافروف “لا أعتقد أن إيران أو لبنان ترغبان في التورط في هذه الأزمة ولا أرى أي رغبة من جانب أي من الدولتين لشن حرب واسعة النطاق في المنطقة”.