تحذير أميركي يعقّد موقف الحكومة العراقية بشأن الحشد الشعبي

تجد الحكومة العراقية نفسها في مأزق في ظل تحذير واشنطن من مغبة تمرير قانون الحشد الشعبي بصيغته الحالية، باعتباره يفتح الباب لتحوّله إلى قوة موازية، بينما تدفع القوى الشيعية المدعومة من إيران باتجاه إقراره، مدفوعة بولائها لطهران التي تولي أهمية بالغة لترسيخ نفوذها في جارتها.
ونقلت وكالة بغداد عن الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي قوله اليوم السبت، إن “رفض بعض فصائل الحشد الاندماج ضمن الجيش والقوات الأمنية والإصرار على تمرير القانون، قد يُعدّ تحديًا مباشرًا للولايات المتحدة، وقد يمهد لتحركات تشمل استهدافات انتقائية أو عقوبات محددة”.
وترى واشنطن أن تشريع هذه المبادرة سيؤدي إلى إضفاء الشرعية على الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ما من شأنه أن يقوّي نفوذ طهران داخل مؤسسات الدولة العراقية.
وتشير تحليلات إلى أن بغداد تواجه عقوبات أميركية في قطاعات حيوية وإجراءات قد تعزلها عن النظام المالي العالمي في حال تمرير قانون الحشد الشعبي، لا سيما في ظل عزم الرئيس دونالد ترامب على وضع حد لتغول وكلاء إيران في المنطقة والساحة العراقية على وجه الخصوص.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، واضحا خلال اتصاله الهاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني منذ نحو أسبوع، حيث شدد على أن مشروع قانون الحشد سيؤدي إلى “ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق”.
وتعتبر الولايات المتحدة أن هذا القانون يتعارض مع أهداف الشراكة الأمنية الثنائية بين واشنطن وبغداد، ويوجه ضربة إلى جهود بناء مؤسسات أمنية عراقية موحدة وذات سيادة حقيقية.
كما ترى أن دمج الحشد الشعبي بهذه الطريقة يمكن أن يضعف الجيش العراقي ويخلق بنية عسكرية لا تخضع بشكل كامل لسيطرة الحكومة الاتحادية.
وحذرت واشنطن من أن تمرير هذا القانون قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على العلاقات مع بغداد، وقد يترتب عليه تقليل أو إنهاء المساعدات الأمنية والتعاون، وربما فرض عقوبات على المؤسسات المالية التي تدعم أو تقدم خدمات للجماعات الموالية لطهران.
وكشفت مصادر مطلعة أن المشروع يمنح هيئة الحشد صلاحيات تنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية، وتقديم استشارات أمنية للحكومة، فيما ينص على أن هذه القوة جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية، وتتبع القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، ما يعكس مسار الإصلاح الأمني الذي تتبناه الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة.
وتمنع المبادرة التشريعة منتسبي الحشد الشعبي من الارتباط بأي حزب أو تنظيم سياسي، ويحظر عليهم المشاركة في أي نشاطات حزبية وسياسية، في خطوة تهدف إلى فصل العمل العسكري عن النفوذ السياسي.
ويثير مشروع القانون جدلا واسعا، حيث يرى البعض أنه ضروري لتنظيم الحشد الشعبي وضمان ولائه للدولة فقط، بينما يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى ترسيخ نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة من جهات خارجية.
وترى دول غربية أن الحشد يمثل أداة لتوسيع الحضور الإيراني في العراق، وأن بعض فصائله تعمل بالتنسيق مع الحرس الثوري، ما أدى إلى تزايد الضوط على الحكومة العراقية لتقليص نفوذ الحشد.
وهناك اتهامات بأن بعض فصائل الحشد تسيطر على مفاصل مهمة في الدولة، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات وأجهزة متابعة الفساد وأجزاء من البنك المركزي، وعملية تصدير النفط والغاز، وحتى أجزاء من القضاء، مما يخلق “دولة عميقة” تهدد سيادة البلاد.
وتطالب بعض الأطراف بفرض عقوبات على “الذراع الاقتصادي” للحشد الشعبي، مما يشير إلى وجود شبكات اقتصادية تابعة لبعض ميليشياته قد تكون مصدرًا لنفوذ خارج عن سيطرة الدولة.
وتتهم منظمات حقوقية ونشطاء فصائل في الحشد الشعبي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وعدم وجود شفافية كافية في عملياتها، بينما تخشى واشنطن من أن يمنح القانون الجديد حصانة لهذه الجماعات ويجعلها تعمل خارج نطاق المساءلة القانونية الكاملة.