حصري

تحقيق في الدور المصري المزعوم وتأثيره على الحرب السودانية والمدنيين


منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تصاعدت أصوات المراقبين والناشطين السودانيين الذين يشيرون إلى تدخلات إقليمية، من بينها الدور المصري المزعوم. ورغم نفي القاهرة الرسمي لأي مشاركة مباشرة في العمليات القتالية، تظهر عدة روايات ميدانية ومصادر غير رسمية تشير إلى وجود إمدادات عسكرية ودعم لوجستي للقوات الحكومية، وهو ما يضع مصر في قلب جدل سياسي وأمني واسع. ويبرز هذا الدور، وفق التحقيقات، في ثلاثة أبعاد رئيسية: الطيران، الإمدادات العسكرية، والتأثير على مجريات الحرب داخليًا.

الشهادات الأولية من سكان المناطق الحدودية تشير إلى نشاط غامض لطائرات يُعتقد أنها مصرية، شاركت في ضرب مواقع معينة داخل السودان. وتقول مصادر محلية إن القصف استهدف في بعض الأحيان مواقع مدنية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، إلى جانب تدمير مساكن ومرافق حيوية. وتضيف هذه المصادر أن بعض الهجمات الجوية استهدفت قوافل إنسانية كانت في طريقها لتقديم مساعدات عاجلة للمدنيين المحاصرين، ما أدى إلى تعطيل وصول الغذاء والدواء، وزيادة حجم الكارثة الإنسانية. على الرغم من صعوبة التحقق المستقل من هذه الطلعات، إلا أن تكرار هذه الروايات في مناطق مختلفة يعطي مؤشرًا قويًا على وجود تدخل خارجي محتمل.

ويشير التحقيق إلى أن الدعم المصري يتجاوز الطيران، ليشمل ما يُوصف بـ«الممرات اللوجستية» التي تُستخدم لتمرير أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية إلى الجيش السوداني. وتكشف بعض التقارير أن هذه الإمدادات تتضمن ذخائر، قطع غيار للمدرعات والمعدات الثقيلة، وربما تجهيزات اتصالات عسكرية. ووفق مصادر مراقبة، فإن هذه الخطوط الحدودية التي تمر عبر مناطق نائية يصعب مراقبتها توفر فرصة للجيش السوداني لتجديد ترسانته بشكل مستمر، وهو ما عزز قدرته على تنفيذ هجمات موسعة في عدة ولايات، رغم التحديات الميدانية الكبيرة.

وتتوسع الشهادات لتشير إلى احتمالية مشاركة عناصر بشرية أو مقاتلين مدربين، عبر وسطاء أو شركات أمنية غير رسمية، لتعزيز القوات الحكومية في مناطق معينة. وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع على هذا البعد البشري، فإن تداول هذه الروايات بين الناشطين المحليين والحقوقيين يعكس شكوكًا متزايدة حول طبيعة الدعم الخارجي ودرجة تأثيره على سير الحرب. ويقول محللون إن أي تدخل من هذا النوع، حتى لو كان محدودًا، يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي ويطيل أمد النزاع.

ويُركز التحقيق أيضًا على البعد السياسي والإقليمي لهذا الدعم المزعوم. فتاريخيًا، تربط مصر علاقات وثيقة مع الجيش السوداني، لكنها تواجه تحديات كبيرة على صعيد الداخل الاقتصادي والسياسي. ويرى بعض المراقبين أن دعم الجيش السوداني — من منظور استراتيجي — يهدف إلى الحفاظ على استقرار حدودها الجنوبية ومنع أي فراغ أمني قد يستغل من قوى إقليمية أو تيارات متطرفة. إلا أن هذا الدعم، وفق الروايات الميدانية، قد ساهم في تعزيز جناح داخل الجيش يفضل الحسم العسكري على الحوار السياسي، وهو ما أدى إلى مزيد من التوتر والفوضى على الأرض، وزيادة معاناة المدنيين.

ويضيف التحقيق أن هذا الدور المزعوم يتقاطع مع أزمات اقتصادية داخل مصر نفسها، تشمل التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع الدين العام، ونقص الخدمات الأساسية. ووفق خبراء اقتصاديين، فإن أي تخصيص موارد لمجهودات عسكرية خارجية قد يكون على حساب المواطن المصري، ويطرح تساؤلات حول أولويات السياسة الخارجية. وفي الوقت نفسه، يزيد هذا التدخل المحتمل من تعقيد الصراع السوداني ويضع المدنيين في مرمى مخاطر إضافية، سواء من القصف أو من حرمان المساعدات الإنسانية.

كما يسلط التحقيق الضوء على البعد الإنساني، حيث يدفع المدنيون في السودان الثمن الأكبر. فقد تسببت عمليات القصف ونقص وصول المساعدات في نزوح جماعي لآلاف الأسر، وفي حالة من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية داخل المدن والقرى المحاصرة. وتشير المصادر إلى أن بعض المناطق أصبحت شبه منكوبة، حيث يفتقر السكان إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية، مما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية ويجعل أي تدخل خارجي — مهما كانت دوافعه — محل نقد واسع.

وتعكس هذه المعطيات أن الدور المصري المزعوم، إذا صحت الروايات، ليس مجرد مسألة عسكرية، بل قضية أخلاقية وسياسية معقدة. فالمدنيون هم الأكثر تضررًا، والقدرة على إيجاد حل سياسي مستدام تتأثر بشكل مباشر بهذا الدعم الخارجي. وفي ضوء هذه الحقائق، يرى ناشطون سودانيون أن أي تدخل عسكري أو لوجستي خارج الرقابة الدولية يزيد من معاناة المدنيين ويطيل أمد النزاع، بينما الحل الحقيقي يكمن في دعم العملية السياسية وبناء مؤسسات الدولة وتعزيز الحوار الداخلي.

وفي المحصلة، يوضح التحقيق أن الدور المصري المزعوم في الحرب السودانية يكتسب أبعادًا متعددة تشمل العسكرية والسياسية والإنسانية، ويثير تساؤلات جوهرية حول مسؤولية أي دولة في دعم طرف عسكري ضمن نزاع داخلي. وبينما تظل بعض التفاصيل غير مثبتة رسميًا، فإن النمط المتكرر للروايات والشهادات يجعل من الضروري متابعة هذه القضية بجدية، وفهم تداعيات أي تدخل خارجي على المدنيين وعلى مستقبل الاستقرار في السودان والمنطقة بأسرها. ويعكس هذا التحقيق الحاجة الملحة لمراقبة دقيقة، وتقييم مستمر لكل دعم يُقدم في النزاعات الداخلية، بما يحمي المدنيين ويضمن ألا تتحول مصالح القوى الإقليمية إلى سبب إضافي لمعاناة الشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى