سياسة

تردد أنقرة في حسم ملف الإخوان يثير غضب القاهرة


قدمت مصر إلى تركيا قائمة بأسماء مطلوبين ينتمون إلى جماعة الإخوان، يقيمون على أراضيها، عقب مداهمة وكر لأعضاء في حركة “حسم”، واحتوى بيان أصدرته وزارة الداخلية أسماء خمسة من القيادات يتمتعون بالإقامة في إسطنبول.

هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها أسماء إخوانية صدرت بحقها أحكام قضائية في مصر، وتواجه بتردد من قبل تركيا، تردد أخذ يسبب انزعاجا كبيرا في القاهرة. بعد أن قطعت العلاقات مع أنقرة شوطا إيجابيا.
لم تكن المعلومات التي انتشرت الأحد الماضي حول توقيف القيادي في “حسم” محمد عبدالحفيظ بمطار إسطنبول مرضية لمصر. أي بعد يوم واحد من بيان وزارة الداخلية الذي أشار إلى استضافة تركيا لمتورطين في أعمال إرهابية، لأن تركيا لم تشر رسميا إلى تسليمه، أو تتعهد بمطاردة آخرين، على رأسهم مؤسس “حسم” يحيى موسى، الذي بث فيديو على مواقع التواصل حمل تحريضا على الدولة المصرية، قبل أيام قليلة من مصرع إرهابيّيْن ينتميان للحركة على يد أجهزة الأمن المصرية.

ضاعف تزامن بث الفيديو وضبط نواة لخلية اعتزمت القيام بأعمال إرهابية من شكوك القاهرة في نوايا أنقرة، وأن التحسن الحاصل في العلاقات معها لا يوجد ما يدعمه على مستوى أشد الملفات قتامة، وهو ملف الإخوان في تركيا، الذي لم تبد صرامة في التعامل معه. أو حسما في تسليم المطلوبين إلى مصر، ما جعل تطوير الروابط بينهما يواجه مطبات.
تعتقد تركيا أن ترحيل عناصر إخوانية أو طردهم من أراضيها مرضيا لمصر. لكن الثانية ترى أن حسن النوايا يقتضي تعاونا وثيقا في هذا الملف، وليس تهربا منه. وكل تجاوب أبدته أو تبديه تركيا يتعثر على قاعدة التسليم، التي تجد ممانعة من أنقرة، في وقت تحتاج فيه القاهرة إلى عربون واضح لتعزيز الثقة وتأكيد وجود تحول نوعي في توجهاتها.

تقف خلف ممانعة تركيا حسابات سياسية داخل حزب العدالة والتنمية. حيث يحوي جناحا إخوانيا، ولا يريد الرئيس رجب طيب أردوغان إحداث شرخ فيه. ومواجهة انتقادات بشأن علاقته مع التيار الإسلامي الذي يحظى بأهمية في التقديرات الإقليمية للنظام التركي. ما جعل المراوغة طريقا مناسبا للتعامل مع مصر، بمعنى الإيحاء بوجود تصعيد طفيف حيال الجماعة لا يصل إلى مستوى الاستجابة لمطالب القاهرة، حفاظا على العلاقات الجيدة معها، وعدم التخلي عن الإخوان.
ترى مصر في هذه المعادلة مناورة تركية، قد لا تؤثر بقوة على جوهر العلاقات. لكن وجودها في الخلفية يقلل من مستوى الثقة المتبادلة، فتحركات الإخوان على الأراضي التركية مستمرة في استهداف الدولة المصرية، ما يشي برضاء أنقرة عمّا يقوم به متطرفون. خاصة أن عناصر الجماعة تحظى برعاية وتوفر لهم تركيا دعما لوجيستيا، وقد سمحت منذ نحو عام بإطلاق منصة إخوانية اسمها “ميدان”. مهمتها تكثيف الهجوم على مصر.

ورغم التطور الظاهر في العلاقات الاقتصادية، والهدوء في بعض القضايا الأمنية والسياسية، لم تقدم تركيا لمصر تطورا حقيقيا في أيّ من الملفات الخلافية. وكل ما حصل هو التفاف عليها، فلم تغير أنقرة موقفها من الأزمة الليبية وتتمسك بدعم حكومة عبدالحميد الدبيبة المؤقتة. وتحتفظ بتواجد عسكري في غرب ليبيا، وتدعم مرتزقة وميليشيات متعددة هناك، وزادت على ذلك بانفتاحها على زعامات منطقة الشرق. والتي تمثل ركنا أساسيا في تصورات مصر نحو ليبيا.
تمكن الإشارة أيضا إلى عدم وجود تغير عملي في رؤية تركيا من ملف غاز شرق البحر المتوسط، إذ منحت دفقة جديدة لاتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا، ما أزعج اليونان. وأحرج مصر التي أظهرت رفضا لمذكرة التفاهم حول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا عند توقيعها منذ ست سنوات. وأدى صمت القاهرة بعد تفعيل المذكرة أخيرا إلى شكوك أثينا فيها، اعتقادا أن الصمت نتيجة لتحسن علاقات تركيا ومصر.

يبدو الهدوء بين البلدين مطلبا حيويا، في وقت تمر فيه المنطقة بمنعطف خطير. ومع تحفظات القاهرة على ما يجري في سوريا تحت سمع أنقرة وبصرها وهندستها. إلا أن مصر لم تجعل الأمر عنصرا يتحكم في علاقتها مع تركيا علنا، وتجنبت الزج بها مباشرة في النشاط الذي تقوم به تنظيمات إسلامية في دمشق وما حولها، وهو ما منح إسرائيل ذرائع لتوجيه ضربات عسكرية في عمق الأراضي السورية.
قد يعكر ملف الإخوان وحضانة تركيا لقوى إسلامية في سوريا وليبيا العلاقات مع مصر. وما لم تظهر أنقرة موقفا يخفف من هواجس القاهرة، لأن سياق التوترات في المنطقة إذا كان عاصما من الإعلان صراحة عن تململ مصر، فإن ارتدادات الملفين السلبية على مصالحها لن يجعلها تلتزم بضبط النفس. ما يستوجب من أنقرة القيام بتحركات عملية لطمأنتها ومنع وصول انزعاجها إلى مستوى يزعج تركيا أيضا.

يصب توقيف القيادي في حركة “حسم” محمد عبدالحفيظ في خانة كسب ود القاهرة. لكن ما لم يتم تسليمه أو طرده مع آخرين، تظل المخاوف مستمرة في نوايا تركيا. ومهما قيل عن تحسن في منسوب العلاقات ستبقى رهينة ما يحدث في ملف الإخوان. والذي بدأت أصوات قياداته تتعالى مستغلة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، ومحاولة تحميل مصر لها، بلا تركيز على إسرائيل .التي تقوم بانتهاكات وتمنع دخول المساعدات، أو لوم يوجه إلى تركيا لعدم دفاعها عن حليفها السوري عسكريا.
ليس من مصلحة مصر العودة إلى التوتر مع تركيا، والعكس صحيح. ولدى كل طرف مقومات يستطيع استيعاب الآخر من خلالها، لكن وجود ملفات قاتمة يقلل من القدرة على احتواء أيّ مشكلة طارئة بينهما، حيث يعج المشهد الإقليمي بتعقيدات يحتاج التعامل معها تصفية نهائية للقضايا العالقة، مثل الإخوان، ولأن الجماعة جزء من أيديولوجية التوجه الحاكم في تركيا. أخشى أن تظل عقدة أبدية تقف حائلا أمام أيّ تطور للعلاقات بين القاهرة وأنقرة. فالتردد الذي يخيم على الثانية لن يطمئن الأولى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى