تركيا تتبوأ موقع الوسيط الدولي مع انطلاق مفاوضات باكستان وأفغانستان في إسطنبول
استأنفت أفغانستان وباكستان اليوم الخميس محادثات السلام في إسطنبول، في جولة مفاوضات وُصفت بأنها “فرصة أخيرة” بعد يوم واحد من إعلان إسلام آباد فشل الجولة السابقة وتصاعد حدة التوترات الأمنية على الحدود. وتُعدّ استضافة تركيا لهذه المباحثات خطوة محورية لترسيخ دورها كوسيط سلام إقليمي ودولي فاعل، في سعيها لإطفاء نار التصعيد بين الجارتين.
وتواصل أنقرة جهودها الحثيثة، بالتعاون مع الوسيط القطري، مستهدفة تعزيز مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة وجسر حوار لا غنى عنه بين الأطراف المتنازعة، لا سيما في المناطق المتاخمة لها أو ذات الأهمية الجيوسياسية في آسيا الوسطى والجنوبية.
وتعتمد تركيا في مساعيها على روابطها القوية والتاريخية مع باكستان، إضافة إلى العلاقات التي تحاول بناءها وتطويرها مع حكومة حركة طالبان في أفغانستان، ما يمنح أنقرة مصداقية وقبولاً لدى الطرفين، مما يعزز قدرتها على دفع عملية الحوار المعقدة.
وتبقى قضية الأمن ومكافحة الإرهاب العقبة الأبرز والأكثر حساسية في هذه المفاوضات، حيث أكد مسؤول أمني باكستاني أن إسلام آباد ستُصرّ في المحادثات على مطلبها الرئيسي بضرورة أن تتخذ كابول إجراءات حازمة وموثوقة ضد المتشددين الإسلاميين الذين يخططون لهجماتهم على باكستان انطلاقاً من الأراضي الأفغانية.
وتتهم إسلام آباد حكومة طالبان الأفغانية بإيواء عناصر حركة طالبان باكستان، وهي جماعة متشددة منفصلة ومرتبطة بتنفيذ الهجمات المعادية لإسلام أباد.
وتنفي كابول هذه الاتهامات، وتُؤكد أنها لا تسيطر بشكل كامل على تحركات الجماعة. وفي هذا السياق، ذكر مصدر مقرب من وفد حركة طالبان الأفغانية أنه “جرى حل معظم القضايا بين باكستان وأفغانستان بنجاح وبشكل سلمي، إلا أن بعض مطالب إسلام آباد تحتاج إلى مزيد من الوقت نظراً لصعوبة الاتفاق بشأنها وتداعياتها الداخلية”.
وتأتي جولة إسطنبول الجديدة في ظل تصاعد خطير وغير مسبوق في التوترات الحدودية بين البلدين، حيث قُتل العشرات هذا الشهر على الحدود الممتدة لمسافة 2600 كيلومتر، في أسوأ أعمال عنف منذ تولي طالبان السلطة في كابل في عام 2021.
وبدأت الاشتباكات عقب شن باكستان غارات جوية انتقامية على العاصمة الأفغانية كابل ومواقع أخرى هذا الشهر، استهدفت زعيماً لحركة طالبان باكستان. وردت حكومة طالبان بشن هجمات مضادة على مواقع عسكرية باكستانية، مما أدى إلى إغلاق الحدود بشكل كامل.
ورغم توصل البلدين لاتفاق وقف فوري لإطلاق النار في الدوحة بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول، بوساطة تركية وقطرية، لم يتمكنا من التوصل إلى أرضية مشتركة في جولة المحادثات التي تلت ذلك في إسطنبول، مما جعل الاتفاق هَشّاً وعُرضة للانهيار.
واستمرت الاشتباكات بين الجيش الباكستاني و”طالبان باكستان” حتى خلال فترة الهدنة المعلنة. وأعلنت إسلام آباد اليوم الخميس عن مقتل نائب قائد الحركة، قاري أمجد، في عملية قرب الحدود، ووصفته بـ”الهدف الثمين” الذي تعتبره الولايات المتحدة “إرهابياً”، في خطوة تمثل انتصاراً تكتيكياً لباكستان في حربها ضد الجماعة.
