تصاعد التوتر: اتهامات متبادلة بين لبنان وإسرائيل تهدد الهدنة
وسط أجواء مشحونة بالتوتر العسكري وضبابية المشهد السياسي، دخلت الهدنة الهشة بين لبنان وإسرائيل منعطفاً خطيراً، إثر غارة جوية استهدفت مدينة صيدا وفتحت الباب أمام اتهامات طالت المؤسسة العسكرية اللبنانية. وفيما تحاول بيروت التمسك بخيوط اتفاق وقف إطلاق النار لضمان سيادتها، تسعى تل أبيب عبر إستراتيجية الضغط العسكري و”الحرب المعلوماتية” إلى رسم واقع ميداني جديد، واضعةً مصداقية الجيش اللبناني والضمانات الدولية على المحك، في توقيت حاسم يسبق انقضاء المهلة المحددة لنزع سلاح حزب الله.
ورفض لبنان رسمياً اليوم الثلاثاء ما اعتبرها مزاعم إسرائيلية ربطت بين جندي في الجيش اللبناني وجماعة حزب الله، عقب غارة جوية استهدفت سيارة في محيط مدينة صيدا. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن العملية استهدفت ثلاثة مسلحين كانوا بصدد استعادة البنية التحتية العسكرية للحزب، لافتا إلى أن اثنين منهم ينتميان لوحدة الدفاع الجوي، موضحا أن الثالث كان يؤدي دوراً مزدوجاً بانتسابه لمخابرات القوات اللبنانية ونشاطه مع الجماعة الشيعية في آن واحد.
في المقابل، أصدر الجيش اللبناني بياناً نعى فيه الرقيت الأول علي عبدالله، من “لواء الدعم – الفوج المضاد للدروع”، مؤكداً استشهاده جراء الغارة أثناء تواجده داخل سيارته. من جانبه، وصف وزير الدفاع، موريس سليم، هذه الاتهامات بأنها “كلام مغلوط” و”خدمة لأعداء لبنان”، معتبراً إياها طعنة في ظهر الأبطال الذين يحمون الوطن. كما نفى مسؤول في حزب الله لرويترز وجود أي صلة تنظيمية بين الجماعة وعناصر المؤسسة العسكرية.
ويرى محللون أن إسرائيل تعتمد استراتيجية الضغط العسكري لفرض واقع جديد قبل نهاية العام، بينما يحاول لبنان التمسك بالشرعية الدولية لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية الكامل من النقاط الحدودية. ويضع استهداف الجيش اللبناني الولايات المتحدة وفرنسا في موقف محرج، حيث يعول المجتمع الدولي على هذا الجيش ليكون القوة الوحيدة المسلحة جنوب نهر الليطاني.
وأنهى وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة، والذي تسنى الاتفاق عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قتالا استمر لأكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله. ونص على نزع سلاح الجماعة المتحالفة مع إيران بدءا من المناطق المتاخمة لإسرائيل.
وقال الجيش اللبناني اليوم إنه أوشك على الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته ويجري تقييما وتخطيطا دقيقا للمراحل اللاحقة، آخذا في الاعتبار كل الظروف والتطورات ذات الصلة.
واتهمت إسرائيل حزب الله مرارا بمحاولة استعادة بنية تحتية عسكرية في جنوب لبنان، معتبرة أن مثل هذا النشاط ينتهك التفاهمات التي تحكم الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وقالت اللجنة التي تشرف على الهدنة بين حزب الله وإسرائيل الأسبوع الماضي إنها تركز على إعادة المدنيين النازحين إلى منازلهم، وسط مخاوف من احتمال اشتعال التوتر إذا لم يتم الوفاء بالموعد النهائي لنزع سلاح حزب الله في نهاية العام.
وخلال الأيام الأخيرة، لم يتوقف الإعلام العبري، عن الحديث حول “استكمال” الجيش الإسرائيلي إعداد خطة لشن هجوم واسع ضد مواقع تابعة للحزب، في حال فشلت الحكومة والجيش في لبنان بتنفيذ تعهدهما بتفكيك سلاحه قبل نهاية عام 2025.
وتزامن ذلك مع جهود دولية وعربية لخفض وتيرة التصعيد في جنوب لبنان، ومنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة مع إسرائيل.
وقال طارق متري نائب رئيس الحكومة اللبنانية إنه “من واجبنا أن نقطع الطريق على أي ذريعة للعدو للاعتداء على لبنان”، لافتا إلى أن “لجنة الميكانيزم سلكت هذا الطريق عبر البحث في كيفية التحقق من التزام الجيش مهامه وفق الخطة التنفيذية التي وضعها”.
وأنشئت لجنة “الميكانيزم” بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتقوم بمراقبة تنفيذه، وتضم ممثلين عسكريين من لبنان وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيل”.
وأشار متري إلى أن التعاطي الدولي مع لبنان يشهد تحولا، لا سيما على صعيد دعم الجيش اللبناني، كاشفا عن “التحضير لزيارة قريبة لقائد الجيش رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة”، دون ذكر موعد بعينه. واعتبر أن موافقة واشنطن على عقد مؤتمر خاص لدعم القوات اللبنانية تشكل مؤشرا على هذا التحول.
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تعد تتبنى الاتهامات الإسرائيلية التي تحدثت عن تقصير أو تواطؤ من قبل الجيش اللبناني، بل باتت تقر بجهوده رغم محدودية إمكاناته، مع تسجيل تفهم دولي للظروف الميدانية التي قد تؤدي إلى تأخير تنفيذ بعض بنود الخطة العسكرية.
