الشرق الأوسط

تفشي داعش في سوريا مجدداً: أسباب وتداعيات


تتعرض القوات السورية النظامية لهجمات دموية يشنها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يفترض أن نفوذه انحسر في سوريا منذ العام 2019 على وقع قصف جوي وبري وحملات عسكرية روسية_سورية وغربية أدت إلى مقتل كبار قادته من الصف الأول.

لكن التنظيم المتطرف الذي سبق لمراكز متخصصة في متابعة لأخبار الجماعات الإسلامية المتشددة ومكافحة الإرهاب أن حذّرت من أن هزيمته في سوريا والعراق لا تعني نهاية خطره، فاجأ دمشق والقوى الغربية بعودته للساحة السورية بسلسلة هجمات مباغتة آخرها تلك التي قتل فيها مساء الخميس 26 جنديا سوريا في بادية الميادين، بينما لا يزال مصير العشرات منهم مجهولا.

وتعتبر هذه أعلى حصيلة قتلى في صفوف الجيش السوري منذ سنوات وتأتي على اثر كمائن وهجمات مباغتة نفذها التنظيم المتطرف الذي اقتنص على ما يبدو انشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية في أوكرانيا ليكثف هجماته ويعيد ترتيب مجاميعه المتفرقة التي تنشط في الغالب على طريقة حرب العصابات ولا تخضع لقرار مركزي بعد انهياره تنظيميا.

والهجوم الذي شنه في بادية الميادين مساء الخميس وشكل ضربة موجعة ليس للقوات السورية فحسب بل لجهود مكافحة الإرهاب، يأتي في سياق هجمات متتالية خلف أحدها قبل أيام قليلة عشرة قتلى في صفوف الجيش السوري عند نقاط تفتيش في الرقة عاصمة التنظيم المتطرف سابقا. وكان للهجمات المباغتة رمزيتها كونها أعادت للأذهان وجود نواة قد تكون صلبة لدولة الخلافة المزعومة.

وسبق هجمات داعش على القوات السورية، هجمات أخرى شنها تنظيم هيئة تحرير الشام الذي انكفأ منذ دشنت تركيا مسار مصالحة مع دمشق.

وتشير توقيتات عمليات داعش وهيئة تحرير الشام إلى أنهما يتحركان على ضوء المتغيرات والتقلبات الجيوسياسية التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2021 التي دفعت اهتمام العالم بعيدا عن جهود مكافحة الإرهاب والتركيز على حرب قلبت النظام العالمي رأسا على عقب بما أنتجته من فجوات في إمدادات الطاقة والغذاء وبتحريكها للتوترات الدفينة بين الشرق والغرب في مشهد يستعيد أجواء الحرب الباردة والحروب بالوكالة.

ولا يبدو في الأفق نهاية قريبة للحرب الروسية في أوكرانيا ما يعني أن شظاياها ستتناثر إلى أبعد بكثير من الفضاء الجغرافي لشرق أوروبا.

والأكيد أن التدخل الروسي في سوريا أيضا تأثر بشكل كبير بانشغال الروس في حرب كان الكرملين يعتقد أنها خاطفة فتحولت إلى حرب استنزاف دون تحقيق الأهداف المعلنة للما أسمتها موسكو “العملية الخاصة”.

ورغم أن وسكو نفت تأثر عملياتها في سوريا بالحرب في أوكرانيا إلا أن النتائج على الأرض تشير إلى عكس ذلك.

ولا يمكن تفسير تصعيد داعش لعملياته في سوريا بمعزل عن الموقف الأميركي من عودة سوريا للحضن العربي وتفكك عزلة النظام السوري تدريجيا.

جزء من الحرب على الإرهاب أو الحملة على داعش في سوريا والعراق ينفذه التحالف الدولي بقيادة واشنطن والذي يضم العديد من القوى الغربية الرافضة بدورها لعودة العلاقات السورية العربية إلى طبيعتها.

واللافت أن زخم العمليات التي كان يشنها التحالف الدولي في سوريا تراجعت بشكل كبير منذ إعلان مسارات التطبيع العربي السوري، بما سمح للتنظيمات المتطرفة ومنها داعش للعودة بقوة وبهدف معلن وهو إلحاق أكبر قدر من الأذى بالنظام السوري وقواته.  

مسار التطبيع التركي السوري الناشئ أيضا خلق نوعا من الفتور في عمليات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة والتي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري والتي كان ينظر لها على أنها رأس الحربة في العمليات ضد داعش.

وقد يبدو تراجع عمليات ‘قسد’ مفهوما ومبررا إذ يعتقد الأكراد أنهم سيدفعون ثمة أي تقارب بين تركيا ودمشق وأنهم في قلب الصفقة التي تجري برعاية روسية وبدفع إيراني.

ومن الأسباب المحتملة أيضا التي قد تفسر بروز داعش من جديد توقف التنسيق الروسي الأميركي لتفادي الاصطدام في سماء سوريا التي كانت إلى وقت قريبة مزدحمة بالمقاتلات الروسية والغربية وتحوله (التنسيق) إلى مماحكات واحتكاكات سياسية وعسكرية واتهامات متبادلة بين الطرفين بتعطيل الحرب على الجماعات المتطرفة.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى