أوروبا

تقارير: دعم غربي لإسرائيل يرقى إلى التواطؤ في جرائم حرب


مكّن الغرب، بقيادة إدارة ترامب، حكومة نتنياهو من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأصبح متواطئًا في الكارثة المروّعة التي تُلحق بالفلسطينيين في غزة.

تجاوزت الحرب في غزة العديد من الخطوط الحمراء، مما جعل حياة الفلسطينيين بلا قيمة، تافهة، وبلا أهمية. كان من الممكن منع الكثير من الجرائم المروّعة ضد الإنسانية التي ترتكبها حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين في غزة لولا الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري شبه غير المشروط والمستمر من القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة. فإذا لم يكن هذا تواطؤًا في جرائم حرب ارتُكبت ضد عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، فلا أدري ماذا يكون ذلك .

يبدو أن ادعاءات القوى الغربية بارتفاع مستوى الأخلاق قد تلاشت تمامًا، كما يتضح من حقيقة أنه على الرغم من أن معظم غزة في حالة خراب تام، وأن أكثر من 59000 شخص قد قُتلوا، إلا أن الدعم الغربي لا يزال مستمرًا بلا خجل. وبينما يموت غالبية الفلسطينيين البالغ عددهم 2.1 مليون شخص جوعًا، تستمر إمدادات آلات القتل في التدفق، بينما لا يقدم الموردون سوى القليل من الولاء للكارثة الإنسانية المتفاقمة على جميع سكان غزة.

قبل أن أتناول بالتفصيل دور الولايات المتحدة الذي لا غنى عنه في إنهاء الحرب في غزة، لا بد من مراجعة موجزة لما فشلت القوى الغربية الأخرى في القيام به.

تقصير فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا

دأبت القوى الغربية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، على دعم هجوم إسرائيل على غزة، مدعيةً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ولم تبدأ هذه القوى في التفكير في معالجة الأزمة الإنسانية المروعة في غزة إلا خلال الأسابيع القليلة الماضية. لقد درسوا تدابير – من تعليق التجارة وفرض العقوبات إلى الانتقادات العلنية والجهود الدبلوماسية – لإجبار نتنياهو على التراجع.

بالإضافة إلى ذلك، أصدرت المملكة المتحدة وفرنسا وكندا مؤخرًا بيانًا مشتركًا يهدد بـ”ردود فعل ملموسة”، بما في ذلك عقوبات محددة إذا لم توقف إسرائيل هجومها المتجدد وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق ويصرون على تحسينات فورية في وصول المساعدات الإنسانية. كما استضافت المملكة المتحدة وفرنسا مؤتمرات دولية مشتركة للدفع بوقف إطلاق النار وحلّ الدولتين وتعهدتا بتقديم دعم دبلوماسي ومالي لمبادرات السلام.

للأسف، فإن التهديدات الغربية والإجراءات المحدودة أقل بكثير مما هو مطلوب بشدة لإنهاء جرائم الحرب المروعة التي يرتكبها نتنياهو وحكومته. يجب عليهم فرض حظر فوري على جميع إمدادات المعدات العسكرية وقطع الغيار، وبصفتهم أكبر الشركاء التجاريين، يجب عليهم تجميد جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل حيثما يكون ذلك مؤلمًا. فقط من خلال اتخاذ هذه الإجراءات يمكن لنتنياهو وحكومته الفاسدة إدراك حجم الغضب الأوروبي.

تواطؤ الولايات المتحدة في جرائم نتنياهو ضد الإنسانية

بإمكان الولايات المتحدة ممارسة ضغط أكبر بكثير على إسرائيل مما تستطيع القوى الغربية الأخرى مجتمعة ممارسته. لكن للأسف، لم تستخدم إدارة بايدن ولا إدارة ترامب نفوذهما الهائل لإجبار نتنياهو على إنهاء الحرب المروعة التي توشك على تدمير ما تبقى من غزة وتدمير سكانها بالكامل تقريبًا.

لطالما كان التزام الولايات المتحدة بالأمن القومي لإسرائيل أمرًا مفروغًا منه منذ قيام إسرائيل عام 1948. ولكن بعد 77 عامًا، ورغم أن الإدارات الأميركية المتعاقبة التزمت ولا تزال تلتزم بهذا الالتزام، لا تزال إسرائيل تشعر بعدم الأمان بسبب استمرار الصراع مع الفلسطينيين. فإذا كانت الولايات المتحدة تهتم فعلاَ بالأمن القومي لإسرائيل، وهو ما تفعله، فكان ينبغي عليها أن تخفف من مصدر شعور إسرائيل بانعدام الأمن من خلال الضغط عليها بلا هوادة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، حيث يقع الأمن القومي الإسرائيلي في المقام الأول.

دافع الرؤساء الأميركيون المتعاقبون لعقود، بمن فيهم ترامب، عن فكرة حلّ الدولتين. ورغم جهودهم المتكررة على مدى عدة عقود لإحلال السلام بين الجانبين، إلا أنهم لم يتخذوا خطوات ملموسة للضغط عليها لقبول النتيجة الواقعية الوحيدة التي كانوا يدعون إليها والتي كان من الممكن أن تُنهي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

لم تُهدد إدارتا بايدن وترامب ولو لمرة واحدة، ناهيك عن فرض عقوبات على إسرائيل، لوقف القصف العشوائي لغزة وخنقها المتعمد لإمدادات الغذاء والدواء والمياه، مما يتسبب في مجاعة جماعية. بل على العكس، استمر كلاهما في تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي كانت تطلبها دون أي تحفظات.

المساعدات العسكرية لإسرائيل

وفقًا لمشروع تكاليف الحرب، فالذي يتتبع المساعدات والنفقات العسكرية الأميركية لإسرائيل منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 يجد بأن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل 22.76 مليار دولار كمساعدات عسكرية، ففي يناير/كانون الثاني 2025 أذن ترامب بتصدير 1800 قنبلة من طراز( MK-84)  تزن كل منها 2000 رطل، أي حوالي طن، لإسرائيل كانت إدارة بايدن قد امتنعت عنها سابقًا احتجاجًا على تصرفات إسرائيل في رفح.

فبدلاً من إدراك حقيقة أن حرب غزة الشنيعة هذه لا تعزز سوى فكرة أن حلّ الدولتين وحده هو الذي سينهي الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، عرض ترامب الاستيلاء على غزة وبناء “ريفييرا فاخرة”، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى إدامة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المميت لجيل آخر.

وبدلاً من تخليص نتنياهو وحكومته من وهم فكرة التخطيط لإعادة بناء مستوطنات يهودية جديدة في غزة، ظل ترامب يدفع بفكرة نقل الفلسطينيين إلى دولة ثالثة. وهذا ليس سوى موسيقى في أذن نتنياهو، يشيد بترامب على “إبداعه” لأنه لا شيء سيطفئ شهية نتنياهو وحكومته أكثر من الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والتخلص من الفلسطينيين نهائيًا.

وبدلاً من الإصرار على وقف فوري لإطلاق النار ووضع استراتيجية واضحة للخروج من غزة، لا يزال ترامب يتصرف بحذر، حريصًا على عدم إثارة غضب قاعدته السياسية، وخاصة الإنجيليين، فبالنسبة لهؤلاء المسيحيين المتدينين، لا يمكن لإسرائيل أن تخطئ، على الرغم من مقتل آلاف النساء والأطفال الأبرياء وإضافة مئات آخرين أسبوعيًا إلى قائمة القتلى، بينما يدمر نتنياهو ما تبقى من البنية التحتية لغزة لجعلها غير صالحة للعيش.

والآن تقوم حكومة نتنياهو بتهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة إلى الجنوب وبناء معسكر اعتقال فوق أنقاض رفح. ومن هناك، تخطط الحكومة لارتكاب تطهير عرقي شامل بنفي الفلسطينيين إلى دولة ثالثة. نعم، نكبة أخرى على غرار عام 1948 قيد الإعداد.

ترامب يستطيع إنهاء الحرب إن شاء

إن تركيز ترامب على وقف إطلاق النار كخطوة أولى أمر ضروري وضروري فورًا، ولكن يجب أن يكون مجرد خطوة أولى. يجب أن يوضح لنتنياهو بوضوح تام أنه خلال وقف الأعمال العدائية يجب عليه وضع وتقديم استراتيجية للخروج من غزة. يجب أن تتوقف الحرب ولا يُسمح باستئنافها تحت أي ظرف من الظروف، ويجب أن يبدأ تدفق المساعدات الإنسانية فورًا بكميات كافية لمنع المجاعة الجماعية.

أجل، نظرًا لاعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة في العديد من القضايا، بما في ذلك الغطاء السياسي والمساعدة الاقتصادية والعسكرية، فإن ترامب في وضع أقوى من أن يقوم بالتوسّل، بل بمطالبة نتنياهو بالالتزام بمطلب الولايات المتحدة بإنهاء هذه الحرب المروّعة والتي يصعب حتى تخيل عواقبها النهائية.

يواجه ترامب الذي يتوق للفوز بجائزة نوبل للسلام مفترق طرق. عند الطريق الأول، سيلتزم الصمت في مواجهة هذه الكارثة الوشيكة وسيكون حينئذ ٍ متواطئًا أمام القانون في جرائم الحرب المرتكبة في غزة. أما الطريق الآخر، فقد يساعده على تحقيق حلمه بإنهاء الحرب في غزة وبدء عملية سلام إسرائيلية – فلسطينية من شأنها أن تؤدي إلى الحلّ الوحيد القابل للتطبيق – حل الدولتين، فهل سيرتقي إلى مستوى الحدث ويحقق ما فشل كلّ من سبقوه في تحقيقه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى