تمدد الجماعات المسلحة يضع مالي في اختبار صعب للوحدة الوطنية
وسط تمدد الجماعات الإرهابية وتحول الجنوب المالي إلى مسرح مفتوح للهجمات، تقف مالي على حافة منعطف حرج، تُختبر فيه قدرة الدولة والمجتمع معاً على الصمود.
فالتوتر الذي يضرب شرايين الاقتصاد، من اضطراب الإمدادات إلى ندرة الوقود، لم يعد يُقاس فقط بحجم الخسائر الميدانية، بل بعمق الشرخ الذي تُخلفه تلك الضربات في ثقة المواطنين بمؤسساتهم، وفي قدرتهم على التمسك بخيط الوحدة في وجه عاصفة لا تتوقف.
وفيما تتبادل السلطات الانتقالية والمعارضة الاتهامات حول جذور الأزمة ومسارات الحل، يحذر خبراء من أن المواجهة اليوم لم تعد أمنية فحسب، بل وجودية، مشيرين إلى أن الجماعات المسلحة ــ وفق تقديرهم ــ تسعى لكسر الروح الوطنية قبل تفكيك نقاط الجيش، وإرباك العقد الاجتماعي قبل ضرب خطوط الإمداد.
فهل ينجح المجتمع في بناء لحظة تماسك كافية؟
قال خبراء في شؤون الساحل الأفريقي إن مالي تمر بمرحلة مفصلية تستدعي أعلى درجات التماسك الداخلي، في ظل الضغوط الإرهابية المتصاعدة والأزمات الاقتصادية التي أثرت على حياة المواطنين، وخاصة مع استمرار جماعة دعم الإسلام والمسلمين (جنيم) في تنفيذ هجمات معقدة وفرض ضغوط على خطوط الإمداد.
الخبراء أكدوا، أن مواجهة هذا التحدي تتطلب، قبل أي شيء، التفافاً مجتمعياً حول الدولة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات والفاعلين المحليين.
وشهد جنوب مالي خلال الأشهر الماضية توسعاً في تحركات الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي أدى إلى اضطرابات اقتصادية، أبرزها نقص الوقود نتيجة الهجمات على طرق الإمداد.
وبينما تعمل السلطات الانتقالية على ضبط الوضع وتأمين المدن والطرقات، يرى خبراء الساحل أن هذه الضغوط ليست جديدة، وأن البلاد تواجه منذ سنوات استراتيجية منهجية من التنظيمات المسلحة لإضعاف الدولة وإرباك المجتمع.
تمدد إرهابي يطال الجنوب
يقول الباحث المالي في قضايا الأمن بمنطقة الساحل، أومار برتي إن «المواطنين عالقون بين الخضوع للضغط الإرهابي وضرورة عدم إظهار معارضتهم لسلطة انتقالية عاجزة عن تأمين الأمن، ويشعرون بأن دعم الحكومة هو التعبير عن الوطنية، بينما أي انتقاد يعتبر خيانة أو تعاونًا مع الإرهابيين».
واعتبر الباحث المالي في قضايا الأمن بمنطقة الساحل، أن «الخطاب السيادي للسلطات، الذي يلقي اللوم على القوى الخارجية، يجذب شريحة من السكان لأنه يقدّم تفسيرًا مبسطًا للأزمة ويحوّل المسؤولية عن الفشل الأمني إلى أطراف خارجية».
وأشار إلى أن الأزمة الحالية «تتطلب وعياً جماعياً بأن الجماعات الإرهابية تستهدف كسر الروح الوطنية قبل استهداف البنية الأمنية».
وبحسب الخبير المالي، فإن الظرف يتطلب تعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، لأن الهجمات الإرهابية لا تهدف فقط لإضعاف حركة الاقتصاد، بل لإضعاف الشعور بالانتماء الوطني، إلا أنه عندما يحافظ المجتمع على دعم مؤسساته، يصبح الإرهاب أقل قدرة على التأثير.
ويرى أن توجيه الخطاب نحو الوحدة وعدم الانقسام هو عنصر أساسي في منع الجماعات المسلحة من توسيع نفوذها، مشيراً إلى أن «أي فجوة داخلية تمنح تلك الجماعات هامشاً للتحرك».
اختبار لقدرات مالي
من جانبها، تعتبر الباحثة المتخصصة في شؤون الساحل، أورنيلا موديران أن ما يحدث في مالي «مرحلة اختبار ليس فقط للقدرات العسكرية، بل لمتانة العقد الاجتماعي».
وأضافت، أنه «كلما اشتدت الضغوط، سواء كانت أمنية أو اقتصادية، تبرز أهمية اعتماد خطاب وطني يجمع مختلف فئات المجتمع»، مشيرًا إلى أن «التجارب الإقليمية أثبتت أن المجتمعات الموحّدة تكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الإرهابية».
وبحسب الباحثة المتخصصة في شؤون الساحل، فإن الدعوات المتكررة للتضامن الوطني تمثل «عامل قوة في مواجهة محاولات التنظيمات المسلحة لإرباك السكان وخلق فجوة بينهم وبين مؤسسات الدولة».
مواجهة الإرهاب
في المقابل، حث الرئيس العسكري أسيمي غويتا ووزير الخارجية عبد الله ديوب المواطنين على التوحد لمواجهة الإرهاب، مؤكدين أن أزمة الوقود هي «اضطراب مؤقت» وليست حصارًا حقيقيًا، وأن خصوم مالي الداخليين والخارجيين يستغلون الوضع.
وصرح وزير الشؤون الدينية، محمدو كونيه، بأن الأزمة «مصنوعة جزئيًا وتستغلها بعض الدول الغربية»، في إشارة غير مباشرة إلى فرنسا، من دون تقديم دليل ملموس.
بدورها، قالت سوفيا دياوارا، الباحثة في مركز الدراسات السياسية بالساحل الأفريقي، إن استمرار سلطة الجيش لفترة طويلة دون انتخابات يعمّق الاستياء، لكنه في الوقت نفسه يوفر هامشًا للحفاظ على الاستقرار الجزئي.
وأضافت، أن «هناك توازنا هشا بين الحفاظ على الأمن ومنع التفكك الاجتماعي، وبين إعادة الديمقراطية وإشراك المدنيين»، مشيرة إلى أن «أي خطأ في المعادلة قد يؤدي إلى اندلاع عنف واسع، أو تسلط السلطة العسكرية بشكل دائم».
وأشارت إلى أن خطاب الحكومة الذي يربط المعارضة بـ«الإرهابيين هو استراتيجية لإحكام السيطرة، لكنه يخاطر بتقويض الشرعية الشعبية على المدى الطويل».
