تمويل حكومي لجمعية تابعة للإخوان في بلجيكا يثير الجدل

أثارت وثائق استخباراتية بلجيكية وتسريبات حكومية حديثة جدلًا سياسيًا متصاعدًا بشأن تمويل حكومي لجمعية يُشتبه في ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، ممّا ألقى الضوء على ثغرات خطيرة في نظام الرقابة على الدعم المالي العمومي داخل البلاد، وأعاد طرح تساؤلات أوسع حول مدى اختراق التنظيم الإسلامي لمؤسسات الدولة الأوروبية.
بحسب تصريحات وزير الداخلية البلجيكي برنار كوانتان أمام البرلمان، فإنّ جهاز أمن الدولة البلجيكي (VSSE) أصدر تحذيرًا رسميًا عام 2020 إلى المسؤولين في فيدرالية والونيا ـ بروكسل، بشأن علاقة محتملة بين جماعة الإخوان وجمعية تُدعى “التجمع من أجل الإدماج ومناهضة الإسلاموفوبيا في بلجيكا” (CIIB)، وذلك بالتزامن مع تقديم الجمعية طلبًا للحصول على تمويل عمومي، وفق ما نقلت (العين الإخبارية).
ورغم هذه التحذيرات، حصلت الجمعية بالفعل على تمويلات حكومية تجاوزت (300) ألف يورو خلال الأعوام الأخيرة، بما في ذلك من الدولة الفيدرالية نفسها، ممّا دفع نوابًا من المعارضة للمطالبة بفتح تحقيق رسمي وتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق.
وقال النائب دينيس دوكارم عن حزب الحركة الإصلاحية (MR)، في تصريحات لصحيفة (لا ليبر) البلجيكية: “نحن لا نتحدث عن خطأ إداري، بل عن خلل أمني يمسّ المال العام وثقة المواطنين”.
وبحسب تقارير استخباراتية اطلعت عليها وسائل إعلام بلجيكية، فإنّ جمعية CIIB يُنظر إليها من قبل أجهزة الأمن كـ “واجهة ضغط ذات طابع إخواني”، يقودها (7) أعضاء، من بينهم شخصيات معروفة بارتباطها بالفكر الإخواني، وشخص واحد على الأقل يُصنّف كـ “عضو فعّال” سابق في الجماعة.
التقارير، التي وصفها مسؤولون بأنّها “ذات مصداقية عالية”، اتهمت الجمعية بترويج سردية تفيد بأنّ “المجتمعات الأوروبية معادية بطبيعتها للإسلام”، وهو ما يتقاطع مع أدبيات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بحسب تقييمات أجهزة الأمن.
مارك لوران، الباحث في مركز (مونتين للدراسات الأمنية) في باريس، يرى أنّ هذه الواقعة لا تمثّل حالة معزولة بل “هي جزء من نمط متكرر في أوروبا”.
وقال لوران في تصريح صحفي: “الإخوان بارعون في استخدام الخطاب الحقوقي كوسيلة لاختراق المؤسسات”، مضيفًا: “ما يجري في بلجيكا يشبه ما حدث في ألمانيا والنمسا وفرنسا، حيث تبدأ الجماعة بجمعيات ثقافية ثم تتحول تدريجيًا إلى أدوات ضغط سياسي”.
ويرى لوران أنّ التهديد لا يقتصر على البعد الإيديولوجي، بل يمتد إلى “تسخير الأموال العامة لبناء نفوذ موازٍ يخترق القرار الديمقراطي ويشوش على السياسات العامة”.
القضية، التي تفجّرت مجددًا بعد تصريحات وزير الداخلية هذا الأسبوع، تعكس ما يسميه مراقبون بـ “ضعف الرقابة الاستباقية” على منح التمويلات للجمعيات، خصوصًا تلك التي تنشط في مجال مكافحة التمييز أو التمثيل الثقافي.
ويرى خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أنّ هذا النمط من “التمويل المموّه” بدأ يشكّل تحديًا مشتركًا للدول الأوروبية، التي تعتمد في غالب الأحيان على نماذج دعم حكومية لا تمر جميعها عبر فلاتر أمنية صارمة، خصوصًا على المستويات المحلية أو الفيدرالية.
في هذا السياق، حذّر تقرير برلماني فرنسي العام الماضي من “نقاط الضعف البنيوية” التي تستغلها جماعات الإسلام السياسي للحصول على تمويلات رسمية دون رقابة كافية، مشيرًا إلى الحاجة العاجلة لإصلاح آليات منح الدعم وتعزيز التنسيق بين المؤسسات الأمنية والمالية.