الشرق الأوسط

توترات داخلية.. سكان علويون يرفضون قرار ترحيل لصالح عائلة الأسد


اقتحمت قوات الأمن السورية حي السومرية المتهدم بدمشق في أواخر الشهر الماضي، مدججة بالبنادق والسيوف وحاملة أوامر الإخلاء، وسرعان ما غادرت الحي بعد أن تركت على كل منزل علامة بخط كبير باللون الأسود إما “إكس” أو “أو” لتحديد من يمكنه البقاء ومن يجب عليه الرحيل.

واستهدفت المداهمات الحي الذي تقطنه عائلات آلاف الجنود السابقين في الجيش خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي أطاحت به قوات المعارضة منذ تسعة أشهر في أحداث تبعتها موجة من العنف ضد الأقلية العلوية التي ينتمي لها.

ويحمل حي السومرية رمزية لعهد عائلة الأسد التي حكمت سوريا لأكثر من خمسة عقود سُحقت خلالها المعارضة التي تنتمي للأغلبية السنية بينما منحت المناصب العليا والأراضي للموالين العلويين.

وفي الفترة من 27 إلى 29 أغسطس/آب، داهم عشرات من أفراد الأمن بقيادة مسؤول من وزارة الداخلية يعرف باسم أبوحذيفة المنازل واحدا تلو الآخر وأبلغوا السكان بأنهم يعيشون على أراض استولت عليها عائلة الأسد بشكل غير قانوني وطالبوهم بإثبات ملكيتهم لمنازلهم، وذلك وفقا لما ذكره نحو عشرة من السكان واثنان من الزعماء المحليين الذين قالوا جميعا إنهم تعرضوا لهذه المعاملة.

وقال سكان لرويترز في الأيام الأخيرة من أغسطس/آب إن العائلات التي لم تتمكن من تقديم وثائق ملكية على الفور يكتب على جدران منازلها حرف “أو” بطلاء أسود ويلصق عليها أوامر إخلاء مطبوعة، وذلك في أكثر الروايات تفصيلا حتى الآن عن المداهمات والقوات التي تقف وراءها.

ويدهو هذا إخطار سكان المساكن غير القانونية في السومرية إلى مغادرة منازلهم في مدة لا تزيد عن 48 ساعة وإلا تعرضوا للعقاب بموجب القانون. وذكرت الوثائق أنها صادرة عن “لجنة الإسكان العامة التابعة للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”.

وقال سكان وزعماء محليون إن الكثير من المنازل كان يحمل العلامة “إكس” مما يشير إلى أنها آمنة، بينما كانت هناك منازل أخرى تحمل العلامتين “إكس و”أو” معا وضعتهما مجموعات مختلفة من قوات الأمن خلال المداهمات. كما وضعت إخطارات الإخلاء على بعض المنازل التي تحمل العلامة إكس فقط أو العلامتين معا.

وقال أشخاص أجريت معهم مقابلات إن العشرات من السكان الرجال تم استجوابهم حول ما إذا كانوا قد خدموا في الجيش خلال حكم الأسد. واحتُجز آخرون في مبنى سكني تم تحويله إلى مركز للشرطة وتعرضوا للضرب هناك من مسلحين، وفقا لأربعة من السكان من بينهم ثلاثة قالوا إنهم أنفسهم تعرضوا لذلك.

وذكر علي بركات، وهو عضو في لجنة حي السومرية التي تعمل كمجلس بلدي وتمثل السكان في الاجتماعات مع الحكومة “أنا محام وأسعى للحصول على الدكتوراه، وحتى أنا تعرضت للصفع”.

وأضاف “أعيش في منزلي منذ 40 عاما. اشتراه والدي بدمه وعرقه ودموعه حتى يتمكن من توريثي إياه. لن أتخلى عنه”.

وزار صحفي من رويترز السومرية في 11 سبتمبر/أيلول وأخبره السكان أن أبوحذيفة موجود الآن في المبنى الذي تم تحويله إلى مركز للشرطة. وقال مرؤوسون له هناك إنه لا يقبل طلبات إجراء المقابلات.

وقبل مداهمات الإخلاء، كان حي السومرية الذي يقطنه العلويون بالكامل تقريبا يضم حوالي 22 ألف شخص، نصفهم تقريبا من عائلات الجنود السابقين خلال حكم عائلة الأسد، وفقا لبركات وزميل له في لجنة الحي الذين قالا إنه خلال أسبوع واحد لم يبق سوى نحو ثلاثة آلاف شخص.

وشاهد مراسل زار المنطقة يومي الثالث والحادي عشر من الشهر الجاري ما هو أشبه بمدينة أشباح، حيث لا توجد أنوار في المنازل ولا سيارات على الطرقات بل عدد قليل فقط من الناس في الشوارع.

وفي 11 سبتمبر/أيلول، شوهدت قوات الأمن تحرس المدخل الرئيسي للسومرية وتمنع الوصول إلى الحي. ولم يتسن لرويترز التأكد مما إذا كان أي من السكان قد طُردوا من منازلهم. وقال جميع من أجريت معهم المقابلات إن المداهمات بثت شعورا عاما بالذعر أدى إلى فرار معظم العائلات في الأيام التالية، خوفا من العنف الذي شهدته المناطق الساحلية هذا العام عندما انقلبت جماعات مسلحة تابعة للحكومة الجديدة على المدنيين العلويين مما أسفر عن مقتل المئات.

ما جرى في حي السومرية بدمشق هو نتيجة لتراكم مشاكل الاستملاك الجائر والفساد العقاري

وطرد أفراد من عائلة الأسد، ومنهم بشار، السكان السنة من عدة ضواحي في العاصمة وبنوا مساكن لتوزيعها على الجنود وعائلاتهم، ومعظمها منازل رخيصة ورديئة من طابق واحد. شكلت هذه الأحياء طوقا علويا يحمي مقر السلطة.

واستولى رفعت الأسد، وهو مسؤول أمني سوري كبير وشقيق حافظ الأسد الذي كان رئيسا آنذاك، على السومرية نفسها في السبعينات وأعاد تسميتها تيمنا بابنه سومر، وكانت تعرف سابقا باسم البلان.

وخلال مداهمات الإخلاء الشهر الماضي، قال اثنان من السكان إنهما قدما وثائق ملكية، لكن أبوحذيفة رفض الأوراق، وأخبرهما أنها تعود إلى عهد الأسد وبالتالي تعتبر غير صالحة. ووضعت علامة “أو” على منازلهما.

وقال محافظ دمشق ماهر مروان، في بيان في الثالث من سبتمبر/أيلول، إن “ما جرى في حي السومرية بدمشق هو نتيجة لتراكم مشاكل الاستملاك الجائر والفساد العقاري عبر عقود من حكم النظام البائد”.

وأوضح أن الدولة السورية ملتزمة بحل هذه القضايا بعدالة وشفافية بعيدا عن التهجير أو الطرد القسري.

وأضاف أنه سيتم تشكيل لجان قانونية من محافظتي دمشق وريف دمشق للنظر في “الاستملاك الواقع على السومرية وما لحقه من عشوائيات دامت لعقود وتناقلت بين الأهالي”، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل.

ووصف ميلون كوثاري، الخبير المستقل في حقوق الإنسان والسياسة الاجتماعية، وأول مقرر خاص للأمم المتحدة معني بالسكن اللائق، ما حدث في السومرية الشهر الماضي بأنه “سلسلة من الانتهاكات بدءا من التهجير وصولا إلى تشتت السكان وتشرد بعضهم”.

وقال “عمليات الإخلاء القسري انتهاك صارخ لحقوق الإنسان… إذا كانت الحكومة السورية جادة في الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فهي مسؤولة عن انتهاك حقوق هؤلاء الأشخاص. هذا موقف واضح على المستوى الدولي”.

وأدى السقوط المفاجئ للأسد إلى صعود حكومة جديدة بقيادة أعضاء سابقين في هيئة تحرير الشام، وهي أقوى جماعات التمرد الإسلامية السنية التي قاتلت الرئيس العلوي في الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاما ودمرت البلاد.

وسعت الإدارة الجديدة إلى دمج العشرات من أفراد الفصائل المتمردة في قواتها الأمنية بما في ذلك بعض المقاتلين الأجانب. وحاولت ملء الفراغ الأمني الذي خلفه انهيار جهاز الدفاع التابع للأسد. وابتليت سوريا بنوبات من سفك الدماء لأسباب طائفية قتلت فيها الجماعات المسلحة التابعة للحكومة مئات المدنيين من الطائفتين العلوية والدرزية.

وتمثل عمليات الإخلاء في السومرية واحدة من المعضلات الشائكة التي تواجه حكام سوريا الجدد، وهي كيفية معالجة إرث مصادرة الممتلكات وقيام عائلة الأسد بإعادة توزيعها مما أدى إلى تفاقم التوتر الطائفي لفترة طويلة.

وأعطيت أيضا على مدى العقود الماضية مناطق علوية أخرى، مثل المزة 86 والورود، لموالين للأسد على حساب السكان السابقين.

وأصبح تحدي تسوية حقوق الملكية ملحا من جديد في الوقت الذي تهدف فيه سوريا إلى تنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية الكبيرة في دمشق، ومن بينها مشروع لإنشاء خط مترو بقيمة ملياري دولار أعلنت عنه الحكومة في أوائل أغسطس آب.

وأفادت وكالة الأنباء السورية بأن مشروع المترو يتضمن إنشاء مركز تبادلي رئيسي في السومرية مع مرآب يتسع لمئات السيارات.

وقال معتصم السيوفي المدير التنفيذي لمؤسسة “اليوم التالي”، وهي منظمة سورية غير ربحية تعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في سوريا، إن أي تطوير عقاري في المستقبل يجب أن يأخذ الحساسيات الطائفية في الحسبان.

وأردف يقول “هناك حاجة إلى حل بشأن التخطيط العمراني على مستوى البلاد يأخذ في الاعتبار مسألة العشوائيات”، مضيفا “ومع ذلك، يجب ألا ينطوي أي حل بالتأكيد على إخلاء السكان من منازلهم بهذه الطريقة”.

وكانت السومرية تُزرع منذ زمن طويل من قِبل سكان معضمية الشام، وهي ضاحية سنية مجاورة. والآن مع رحيل عائلة الأسد، يُطالب البعض باستعادة المنطقة.

وقال محمد الواوي، وهو صاحب متجر لمواد التنظيف في معضمية الشام يبلغ من العمر 54 عاما، إن عائلته كانت تمتلك قطعة أرض صغيرة في غرب السومرية، مضيفا “لقد تخلينا عن استعادتها منذ سنوات. من كان يصدق أن النظام سيسقط هكذا؟”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى